( وأمثالهم في القلوب ) كناية ولغز ومعناه ذواتهم في حظيرة القدس والمشاركة بينها وبين القلوب ظاهرة , لأن الأمر العام الذي شملها هو الشرف , فكما أن تلك أشرف عالمها كذلك القلب أشرف عالمه فاستعير لفظ أحدهما وعبر به عن الآخر .
قوله (عليه السلام) : ( هآ إن هاهنا علماً جمّاً ) وأشار بيده إلى صدره .
هذا عندي أشارة إلى العرفان والوصول إلى المقام الأشرف الذي لا يصل إليه إلا الواحد الفذّ من العالم , ممن لله تعالى فيه سرّ وله به اتصال .
ثم قال : (لو أصبت له حملة) , ومن الذي يطيق حمله , بل من الذي يطيق فهمه فضلاً عن حمله، ثم قال : ( بلى أصيب ) , ثم قسم الذين يصيبهم خمسة أقسام:
أحدها: أهل الرياء والسمعة .....إلخ .
وثانيها: قوم من أهل الخير والصلاح ليسوا بذوي بصيرة في الأمور الإلهية الغامضة, فيخاف من إفشاء السر إليهم أن تنقدح في قلوبهم شبهة بأدنى خاطر , فإن مقام المعرفة مقام خطر صعب , لا يثبت تحته إلا الإفراد من الرجال الذين أيدوا بالتوفيق والعصمة.
وثالثها: رجل صاحب لذات وطرب .........الخ.
ورابعها: رجل عُرِف بجمع المال وإدخاره ..........الخ .
ثم قال (عليه السلام) : ( وكذلك يموت العلم بموت حامليه ) ، أي إذا مت مات العلم الذي في صدري , لأني لم أجد أحداً أرفعه إليه وأورثه .
ثم استدرك فقال : ( اللهم بلى , لا تخلو الأرض من قائم بحجة لله تعالى ، كيلا يخلو الزمان ممن هو مهيمن لله تعالى على عباده ومسيطر عليهم ) , وهذا يكاد يكون تصريحاً بمذهب الإمامية إلا أن أصحابنا يحملونه على أن المراد به الأبدال الذين وردت الأخبار النبوية عنهم أنهم في الأرض سايحون , فمنهم من يعرف ومنهم من لا يعرف , وأنهم لا يموتون حتى يودعوا السر وهو العرفان عند قوم آخرين يقومون مقامهم.