قال الفقيه العلامة يحيى بن محمد بن حميد المقرائي رحمه الله في شرحه لمقدمة الأثمار شرح قول الإمام (عليه السلام) : والأئمة المشهورون من غيرهم (أي من غير أئمة أهل البيت) هم إليهم ينتمون وبهم مقتدون، ولأقوالهم موافقون، فقال الفقيه في شرح هذا الكلام: ألا ترى أن الصحابة كانوا يفزعون في مهماتهم وما نزل بهم وألَمّ من مشاكلهم إلى باب مدينة العلم وسفينة الحلم حتى أنه رجع عمر بن الخطاب إلى علي في ثلاث وعشرين مسئلة، وقال في مسئلة حد الحامل: لولا علي لهلك عمر، ولم يكن منهم مخالفة إلا في التقدم، إلى أن قال: وكان العلماء في كل وقت يشايعون أهل البيت ويناصرونهم جهاراً وخفية ممّن خشي، وقد يتقي منْ يتقي لأمرٍ مّا، فإنَّ تمسك الأئمة الأربعة وعيون أتباعهم بحبل أهل البيت معلوم، وقولهم في ذلك منثور ومنظوم، وكان يقوم القائم منهم فيجيبه أولئك ويعينونه بالقول والفعل والمال حتى قتل من قتل وأسر منْ أسر بسببهم كما في قصة الحسين وزيد والنفس الزكية وأخيه إبراهيم وغيرهم، كما هو مذكور مبسوط في مواضعه متواتر عند أهله كما قد حققته في التوضيح، فإن سعيد بن جبير قتله الحجاج بسبب خروجه مع ابن الأشعث، إذ كان على رأي الحسن بن الحسن، وعبدالله بن عمر قتله الحجاج أيضاً غدراً بأن أمر من جرح قدمه بسيف مسموم في صلاة عيد لما أظهر التوبة من القعود عن الخروج مع علي (عليه السلام) ، وعبدالرحمن بن أبي ليلى ضربه الحجاج ليسب علياً فلم يفعل، وولده القاضي محمد رأيه رأي أبيه في التشيع، ومالك بن أنس صحّ أنه حبس وضرب على الفتيا بعدم لزوم بيعة الظلمة حتى لزم بيته قدر عشرين سنة بل وضرب حتى غشي عليه وانخلعت كتفه، أخذ عن جعفر الصادق وغيره، وأبو حنيفة صح وتواتر أنه كان يفتي بوجوب الخروج مع الأخوين محمد وإبراهيم ابني عبدالله، وروي أنه مات مسموماً بسبب ذلك، وهو ممّن روى عن كثير من أهل البيت ومن مشائخه: زيد بن علي وجعفر الصادق والحسن بن الحسن وولده عبدالله الكامل والباقر وغيرهم كما ذكره الحنفي في كتابه عقود العقيان في مناقب الإمام أبي حنيفة النعمان، وكالشافعي فإنه بايع يحيى بن عبدالله وهو أحد دعاته وروى الذهبي أنه كتب والي اليمن إلى العراق ما معناه: أنكم إن كنتم مستبقين لطاعة اليمن أرسلتم للشافعي فإنه قد صار يجمع مع الطالبيين في الخروج فأرسلوا له وحملوه مقيداً على حمار بغير أكف، وروى له الذهبي في النبلاء عن الربيع بن سليمان قال: حججنا مع الشافعي  فما ارتقا نشزاً ولا هبط وادياً إلا وهو يبكي وينشد:

 يا راكباً قف بالمحصب من منى الأبيات...... وغيرها.

 ولما شقَّ على الذهبي ذلك لأن فيه دليلاً على تشيعه قال: لو كان شيعياً وحاشاه لما قال الخلفاء الراشدون خمسة بدأ بالصديق وختم بعمر بن عبدالعزيز، لكن يقال له فما تصنع بما رواه الحموي الشافعي في تاريخه أنّ الشافعي أسرّ إلى الربيع أنه لا يقبل شهادة أربعة من الصحابة وهم: معاوية وعمرو بن العاص والمغيرة وزياد، فإنه لما هدم نصبهم شق على المتأخرين، قال في طبقات السبكي: عن يحيى بن معين أنّ الشافعي ليس بثقة، وهذا ابن معين من أعيان علماء الحديث وقد ترجم له الذهبي وغيره بالتراجم الكبار وكأحمد بن حنبل روى الذهبي أنه هجم بيته مرتين لطلب بعض الطالبين وغير ذلك عنهم وعن غيرهم، قال الإمام شرف الدين (عليه السلام) في مقدمة الأثمار: فقاتل الله المتسبب في إشاعة إنفصالهم عنهم حيث شب نار العداوة بين جهال المذاهب حتى ضل كثير منهم عن أوضح المذاهب انتهى ما أردت نقله عن شرح الفتح وشرح مقدمة الأثمار لمؤلفهما الفقيه يحيى بن حميد.

وبهذا يظهر أن محبة أهل البيت والتشبث بأهدابهم كان دأب أساطين الأمة المحمدية وإنما سبب إيقاد نار العداوة بين أئمة أهل البيت عليهم السلام وبين غيرهم من أتباع الأئمة الأربعة هي السياسات الملوكية، وأحسب أن قد أوضحت هذا للسائل في الندوة العلمية التي أقمناها بمدينة صعدة بإشراف السائل وبحضور الإخوة العلماء، وإلى هنا ينتهي ما قصدناه وإن كان المقام يقتضي أكثر مما حررناه، ومَنْ لم ينفعه القليل لم يؤثر فيه الكثير وقد طمح الخاطر إلى نظم كلمة وجيزة نختم بها الكلام حامدين الله تعالى ومصلين على سيدنا محمد وعلى آله آمين فإليكها:

إليك يا حافظ العصر الأخير غدا
دليله سنة المختار مقتفياً
لأنّ أبنا خير الرسل مذهبهم
تقمصوا العلم بل شالوه أردية
ودعوة المصطفى جاءت وقد رويت
المصطفى قال إن العلم في عقبي
قد اصطفاهم لنصر الدين خالقهم
فلم تجد مثل زيد في الورى أبداً
فاعرف مقالتهم في كل مسئلة
ساروا على نهج مولاهم وسيدهم
لم يثبتوا صفة للذات زائدة
ونزهوا الله تنزيهاً وما جنحوا
فتلك أسفارهم بالحق ناطقة
كالبحر فامش على يم سفينته
قد كنت تقرأه عندي فعض على
يا حافظ العصر خذ قولي وما سمحت
لأن جفونا وحالوا عن مودتنا
والحق أبلج لا يخفى على أحد
خذ ما رقمت واغض العين إن وُجِدت
فجل رب عظيم لا يليق به
وكل حي فإن النقص يصحبه
واعمل لنفسك أعمالاً تخلصها
والزم هديت من التقوى مراتبها
حياك ربك يا عملاق بلدته
وخذ لاليَه وانظر محاسنه
وغيره من علوم الآل فاعن بها
خذ الجواب وسامح إن بدا خلل
ثم الصلاة على من طاب عنصره

جوابنا سالكاً في منهج الرسل
آي الكتاب سعى في أوضح السبل
خالٍ عن الغش والأوباش والدخل
على عواتقهم فاسأل بهم وسل
فيهم وحققها الرحمن في عجل
وزرع زرعي رويناه فلا تمل
فهم أئمة رأس العلم والعمل
أو مثل أتباعه في سائر النحل
تجد أدلتها كالشمس لم تحل
صنو الرسول أمير المؤمنين علي
ولا قضوا بثبوت الذات في أزل
إلى أقاويل ضلال من السفل
تهدي إلى الحق بل تشفي من العلل
هدي الرسول بلا حبل ولا دقل
تلك الفوائد بالأضراس واحتفل
به القريحة ليس الجد كالهزل
فالحق كالشمس يجلو ظلمة الطفل
إلا على أبلهٍ يرعى مع الهمل
لي هفوة واصلحن ما كان من خلل
نقص تنزه عن شبه وعن مثل
سوى الإله فخذ بالحق واعتدل
في موقف الحشر كي تنجو من الزلل
من يتق الله يأمن زلة الخطل
فاكرع من البحر وارشفه على مهل
ولا تملَّ فإن الشوم في الملل
فيها نفائس علم نظم كل ولي
حوادث الدهر والحاجات تعرض لي
والآل والصحب في الآصال والطفل
خاتمة والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات حمداً كثيراً طبياً مباركاً، وقد تم ما أردت، والمطلوب من السائل هو التأمل وحسن الإحتمال وليس الغرض إلا رضا الله وموافقة مراد الله ونحن في زمان نحتاج فيه إلى الألفة والإتفاق ونبذ الفرقة ودواعي الشقاق فأمامنا عدو يريد التهامنا، والشر محدق بنا من جميع جوانبنا، اللهم اجمع كلمة الأمة المحمدية، وشتت شمل أعدائها برحمتك يا أرحم الراحمين، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وقد وافق الفراغ من تحرير هذا بعد صلاة العشاء من الليلة المباركة، ليلة الأحد الموافق 14/رجب/1399هجرية بهجرة فلله المحروسة، وأسأل ممن اطلع عليه من الإخوان الدعاء لكاتبه، ومن وجد خللاً فأصلحه فالله يكافئه، وكتبه/ عبد الرحمن حسين شايم وفقه الله.

نعم قد كنت سلمت الأصل للسائل وصورت لي عليه صورة، ثم إني في التاريخ رجحت نقله إلى هنا وتهذيبه وحذفت بعض الزيادات التي قد يستغنى عنها، وجعلت هذه النسخة هي المعتمدة وأسأل الله أن يغفر لي ذنوبي وأن يوفقني لصالح الأعمال، وحر بتاريخه 26/رجب الفرد سنة(1428هـ) عبد الرحمن شايم وفقه الله.

القسم الثاني

سؤال عن ألفاظ في كلام أمير المؤمنين  (عليه السلام)

لكميل بن زياد

فسّرها السارح ابن أبي الحديد بتفسير أشكل على السائل

23 / 270
ع
En
A+
A-