وممن أدركنا من العلماء الكبار الذين أحيى الله بهم شريعة سيد المرسلين صلى اللهُ عَليهِ وَآلِهِ وسَلَم العالم الأوّاه المتبتل إلى الله الزاهد الورع مفتي الديار اليمنية حافظ علوم أهل البيت المطهرين وسيد بني الأنزع البطين المرجع عند المشكلات والمفزع عند المعضلات جمال الدين علي بن محمد بن يحيى العجري رحمه الله من فتية:

مَنْ تلق منهم تقل لاقيت سيدهم      مثل النجوم التي يسري بها الساري

إذا قطعت بأنه حافظ المذهب وعلله وأدلته فلست ببعيد، وما أظن ينازعني أحد عرفه، وله من المؤلفات الحسان: كتاب مفتاح السعادة تفسير مطبوع في ستة مجلده، جمع فيه علوماً جمّة ولم يفسر إلا قدر نصف جزء اعتنى بأصول الدين وفنّد اعتراضات الرازي وتشكيكاته، وجمع فيه من المسائل ما تقر بها عين الودود ويكمد لها قلب الحسود أصولاً وفقهاً وحديثاً وغير ذلك، وله الفتاوى المسماة بالمقاصد الصالحة اعتمدها أهل العصر، وله موضوعات كثيرة فهؤلاء الذين ذكرتهم ممن أدركناهم من صعدة ونواحيها ولم أذكرهم إلا للتبرك بذكرههم ولم نرد الحصر إذ في اليمن السعيد علماء أفذاذ من الزيدية الأخيار تتعطر بذكرهم المجالس ولكن الميل إلى الإختصار، وقد أطلنا الكلام فلنعد إلى بقية السؤال والله الموفق والهادي وصلى الله على سيدنا محمد وآله آمين.

لِمَ خالفت الزيدية مذهب زيد في الفروع

أمّا الفقرة الأخيرة من السؤال وهي: لِمَ خالفت الزيدية مذهب زيد في الفروع؟

 فالجواب عن ذلك: أنا قد قدمنا أن نسبة الزيدية إلى زيد بن علي (عليه السلام) لموافقتها له في المسائل الأصولية الإعتقادية، وأن هذه النسبة ليست من باب التقليد كما هو في حق أتباع الفقهاء، بل نسبة الزيدية إلى الإمام نسبة اعتزا وانتما، والإعتزاء مشروع وقد سبق الكلام في ذلك، ثم إنا سنتكلم هنا على مبحث نبين فيه تفصيلاً حسناً فائدته عظيمة فنقول: اعلم أن ما نسميه المذهب وهو ما اشتملت عليه كتب المذهب كالأزهار وشروحه والبيان والأثمار وشروحه وتذكرة الفقيه حسن وشروحها وأصول هذه المؤلفات كالتحرير وشروحه، والتجريد وغير ذلك، فنقول: إن ذلك أصول وقواعد أصَّلها وقعَّدها المحصلون للمذهب مما تقرر عندهم من أقوال القاسم ابن إبراهيم وابنه محمد وأقوال الهادي وابنيه محمد وأحمد في فتاويهم وموضوعاتهم في جميع أبواب الفقه بعد أن فسَّر المحصلون تلك الأقوال وقيّدوا مطلقاتها وخصصوا عموماتها، وتأولوا مشكلاتها، وبينوا عللها يوضح ذلك كلام أبي طالب (عليه السلام) في خطبة التحرير التي رواها عنه الأمير الحسين في التقرير، قال أبو طالب: سألت وفقك الله وإيانا لطاعته تلخيص مذهب القاسم بن إبراهيم نجم آل الرسول ويحيى بن الحسين وأولادهما في أبواب الفقه ومسائل الشرع مضافة إلى الفروع التي تقتضيها نصوصهم ويجليها تعليلهم، ثم قال الأمير الحسين في تفسير كلام أبي طالب: وأما أولادهم فهم معروفون والذي ذكره أبو طالب منهم في التحرير محمد بن القاسم وأبو القاسم محمد بن الهادي، والإمام الناصر أحمد بن الهادي.

قال الأمير الحسين: عنى أن السائل طلب منه مسائل الفقه التي عن القاسم وحفيده الهادي إما بنص أو عرف أنه مذهبهما بما دل عليه تعليلهما أو قياساتهما المعللة بالعلل ويظهر من هذه العبارة أنه جعل أقوال أولادهما من أقوالهما، ألا تراه خصص النسبة بعد تعميمها فلما ثبتت عندهم تلك الأصول والقواعد من مسائل الفروع في كل باب سواء نص على تلك المسئلة كل واحد من الأئمة المذكورين أم لم ينص عليه إلا بعضهم وسكت الباقون لأنهم لما انطبقت عليها تلك الأصول صار كل واحد منهم كالناص عليها، وأيضاً فإنهم نظروا في كلام الهادي (عليه السلام) فرأوه يحكي كلام جده القاسم (عليه السلام) كالمحتج به لمذهبه مظهراً لاتباعه له فيه فعلموا أنه قد ارتضا جميع مسائل القاسم فنسبوا إليه مذهبه وفهموا من ذلك أن أصول القاسم والهادي عليهم السلام واحدة لاتفاقهما غالباً، فنسبوا إلى مذهب القاسم ما نص عليه الهادي وكذلك القول في مذهب محمد ابن القاسم بالنظر إلى مذهب أبيه ومذهب يحيى، وفي مذهب محمد وأحمد بالنظر إلى مذهب أبيهما وجدهما وعم أبيهما وذلك لأنهم قد علموا من ملاحظة المتأخر من هؤلاء الأئمة لأقوال الأول وطريقته أنه مقتدٍ به ومتبع لأثره، فكانّ كل واحد صرَّح بما صرّح به المؤيد بالله (عليه السلام) حيث قال: إن كل مسئلة لم ينص فيها على خلاف مذهب الهادي فمذهبه مذهبه، ثم إذا لم يوجد لواحد من هؤلاء الأئمة نص في المسئلة نظر المحصلون في مذاهب غيرهم من الأئمة فما كان من نصوص الأئمة المتقدمين كزيد بن علي ومحمد بن علي وجعفر الصادق وعبد الله بن الحسن وبنيه ملائماً لتلك الأصول وهي منطبقة عليه جعلوه مذهباً لتلك الأئمة، وقولاً من جملة أقوالهم، ذلك لأنهم رأوا القاسم ومن بعده يلاحظون أقوال من قبلهم من أسلافهم ويوردونها مورد الحجج المثبتات والشواهد البينات، فعلموا أنهم مرتضون لأقوالهم جملة، متخذون لها قدوة وكيف لا وقد قال القاسم بن إبراهيم (عليه السلام) : أدركت مشيخة آل محمد من ولد الحسن والحسين وليس بينهم اختلاف، هذا ما لخصته من كتاب شذور الذهب ومن جواب السيد يحيى ابن إبراهيم جحاف على السؤال الوارد إلى الإمام إسماعيل بن القاسم بن محمد (عليه السلام) وجوابه عن أمر الإمام (عليه السلام) .

واعلم: أن أئمة المذهب طبقات:ـ

الطبقة الأولى: أهل النصوص وهم من سمينا من الأئمة عليهم السلام كالقاسم بن أبراهيم (عليه السلام) والهادي ومحمد بن القاسم ومحمد وأحمد ابني الهادي والأئمة المتقدمين عليهم السلام.

والطبقة الثانية المحصلون: وهم السيد أبو العباس الحسني والمؤيد بالله وأبو طالب يحيى بن الحسين وعلى بلال ومن في طبقتهم إلى زمن المنصور بالله (عليه السلام) وربما نصوا، فهؤلاء هم المخرجون والمحصلون، ومن بعد المنصور بالله (عليه السلام) الناظرون في المذهب هم المذاكرون والمهذبون لأقوال المخرجين فرضي الله عن الجميع فقد بذلوا جهدهم وقطعوا أعمارهم في توضيح المسائل الفقهية، وبينوا عللها وأدلتها وردوا فروعها إلى أصولها، فمن اطلع على موضوعاتهم وجدهم آخذين بالأحوط وبالأرجح من الأدلة نصحاً منهم لله ورسوله صلى اللهُ عَليهِ وَآلِهِ وسَلَم وللأمة، وهذا المذهب هو الذي يجري عليه سير المقلدين، أما مَنْ عض على الأدلة بالنواجذ واستطاع تمييز الصحيح من الفاسد وكان من السابقين النقاد، وممن تحلى بحلية الإجتهاد فقد وجب عليه العمل بما أداه إليه نظره بعد تثبته وسبره للأدلة، وأهل المذهب يوجبون عليه العمل باجتهاده لا كرأي بعض الفقهاء القائلين بأن طريق الإجتهاد قد انسدت وإن أركانه قد انهدت فهذا منهم خطأ، لأن فتوحات الله سبحانه ومواهبه عظيمة )وما كان عطاء ربك محظوراً(، فهذا ما تيسر في هذا المقام وسنتبع ذلك ببحث نبين فيه أن الأئمة الأربعة الذين هم: الإمام مالك، إمام دار الهجرة، ومحمد بن إدريس الشافعي، وأبو حنيفة النعمان، وأحمد بن حنبل الذين لهم علو الكعب لخدمتهم للدين ومحبتهم لأبناء خاتم المرسلين ونفع عامة المسلمين، هم من أتباع أئمة أهل البيت عليهم السلام، وهم إليهم منتمون وبهم مقتدون.

22 / 270
ع
En
A+
A-