فانظر رضاهم عمن سب الوصي، وعمن باشر قتل سبط رسول الله صلى اللهُ عَليهِ وَآلِهِ وسَلَم، وعمن قتل علياً، وإذا لم تكن هذه الأفعال جرحاً فأيّ جرح في الدنيا، وإنك لتجد عجباً في قول يحيى بن معين أمين الجرح والتعديل عندهم في عمرو بن عبيد: كان دهرياً، قيل: وما الدهري؟ قال: يقول لا شيء، وقد رد عليه الذهبي مع تمسكه بذيل من الإنصاف بأن الدهرية كفار وما كان عمرو هكذا أهـ.
ولقد تناول المحدثون الأئمة الأربعة الذين طبقت علومهم الدنيا واتبع مذاهبهم أكثر الأمة، فقالوا في الإمام مالك: إنه يروي عن مجاهيل وضعفاء ومتكلم فيهم كعبد الكريم بن أبي المخارق وهو مجمع على تجريحه عندهم، أما الإمام أحمد على جلالة قدره عندهم فقد قالوا: يروي عن جماعة ضعفاء كعامر بن عبد الله بن الزبير، قال بعضهم: ما أعلم خلافاً في بطلان الإحتجاج به، قال ابن معين: جنّ أحمد يحدث عن عامر، أما الشافعي فقالوا فيه: يروي عمن هو مقدوح فيه بزعمهم كشيخه إبراهيم بن أبي يحيى قالوا فيه كذاب وضّاع قدري فيه كل بلية، وكشيخه الآخر مسلم بن خالد ضعفوه بالقدر وبكثرة غلطه وأنت تعرف أن أكثر حجج الشافعي تدور على هذين الرجلين، وأما أبو حنيفة النعمان بن ثابت فقد ضعفه المحدثون في فقهه وغمزوه بأنه يقدم القياس على النصوص على أني لا أحب التوسع في هذا ولو فتح هذا الباب لكان حقيقاً بالتأليف، ولست أنتقص حملة حديث الحبيب المصطفى ولا أتجهمهم ولكن أريد أن أوضح أن قواعدهم ليست بضربة لازب، وأن أقوالهم يؤخذ منها ويترك، وقد قال يحيى بن معين: إنا لنتكلم في رجال أرواحهم تغدو وتروح في الجنة، فنسئل الله أن يوفقنا لمعرفة الحق، وأن يبصرنا رشدنا وصلى الله على محمد وآله آمين آمين.
الزيدية و أصولها وامتداد نفوذها أمَّا الجواب: عن السؤال: عن الزيدية وعن أصولها وامتداد نفوذها.
فأقول مستعيناً بالله تعالى: إن الزيدية نسبة إلى الإمام الأعظم أبي الحسين زيد بن علي بن أبي طالب (عليه السلام) لموافقتها له في الإعتقادات الأصولية من القول بالعدل والتوحيد والوعد والوعيد والنبوات والإمامات من تقديم أمير المؤمنين (عليه السلام) وحصر الإمامة في أولاد السبطين ووجوب الخروج على الظلمة والأمر بالمعروف، فمن قال بهذا فهو زيدي، وليست هذه الموافقة تقليداً لأن التقليد في مسائل الأصول لا يجوز وإنما هو انتماء واعتزا فاتفق الإعتقاد وتطابق الإجتهاد فحسن ذلك الإنتساب إلى ذلك الإمام فإن كثيراً ما يقوله الأئمة الأطهار والعلماء الأبرار مذهبنا مذهبه واعتقادنا اعتقاده ويعنون كاعتقاده، وذلك حسن ولذلك أن المنتسب إذا اطلع على أصول ذلك الإمام وما أثمرت تلك الأدلة من الإعتقاد ربما حصل له اعتقاد صائب من دون بحث ولا تعب ولا نصب وإلا لم يكن لما قرره ذلك ولا غيره من العلماء فائدة، إذا قلنا: إن الأخير لا ينظر في نصوص إمامه بل يبتدي النظر والإجتهاد وهذا خلاف ما عليه العلماء قديماً وحديثاً ولذلك وضع العلماء المؤلفات في علم الكلام وغيره وشرع قراءتها والنظر إليها وهذا البحث قد استوفاه صاحب التوضيح وصاحب شذور الذهب ولخصت المحتاج إليه، وروي أن أبا الخطاب وجماعة دخلوا على الإمام زيد بن علي (عليه السلام) فسألوه عن مذهبه فقال: إني أبرأ إلى الله من المشبهة الذين شبهوا الله بخلقه، ومن المجبرة الذين حملوا ذنوبهم على الله، ومن المرجئة الذين طمَّعوا الفساق في عفو الله، ومن المارقة الذين كفّروا أمير المؤمنين، ومن الرافضة الذين كفروا أبا بكر وعمر وعثمان أهـ، وهذا عين مذهب أهل العدل، فأصول الزيدية هي التي سلمت من كل شين، واعتضدت أقوالها بالبراهين، فردت على الفرق المخالفة كالمشبهة والمجبرة والأشعرية الكسبية، فكم لهم في علم الكلام من مؤلفات حسان اعتمدوا فيها على حجج العقول وقرروا ذلك بمحكم المنقول:
لا يستزلك
أقوامٌ بأقوالٍ |
ملفقاتٍ حريات
بإبطال
فالآل حق وغير الآل كالآل
فيهم كما قد روي من غير إشكال
من
البرية من ند وأشكال
أنجته من أزل أهوى وأهوال
فاطلبه ثَمَّ وخل الناصب
القالي
ولا قضوا باقتضا حال لأحول
وليس لله إلا صنعة الحال
بلا
احتذاءٍ على حذو وتمثال
لكان كل محل سابق تال
للمصطفى صفوة الباري على
بال
أمّا امتداد نفوذ الزيدية في البلدان فقد كفانا السيد الدامغاني في رسالته التي تكلم فيها على طوائف المسلمين وأهل النحل فقال بعد أن ذكر زيداً ما لفظه: ولم تزل الإمامة في أهل بيته قرناً بعد قرن معروفين عند جميع الطوائف باسمه، وبلدانهم التي يظهرون فيها ويكون لهم الشوكة على أهلها بالعجم جيلان وديلمان وبعض جرجان وإصبهان والري، وبالعراق الأعلا الكوفة والأنبار، وبالحجاز مكة وجميع بلدان الحجاز إلا المدينة، فإن الشوكة فيها للأثنى عشرية، وهم في نجد اليمن ظاهرون على مدنه صنعاء وصعدة وذمار ونحوها ولهم في سهولها بلدان كمدينة حلى وما بينها وبين اليمن من بلد المخلاف، ومنهم في المغرب جماعة كثيرة في جبال يقال لها أوراس، ومنهم أخلاط في أمصار السنية يتسترون بمذهب الحنفية، لأنّ أبا حنيفة من رجال زيد ومن أتباعه، وهم من أتقياء الشيعة لولا ما نقم عليهم ..إلخ. ولا نحتاج إلى نقل غير هذا وقد تغيرت الأحوال وتغيرات الزمن قد طرت فغيرت وبدلت وللدول في تغيرات المذاهب تأثير والله رجال الزيدية أمَّا الجواب عن السؤال عن رجال الزيدية: