وفي مجموع زيد بن علي عن أبيه عن جده عن علي عليهم السلام قال: لما كان يوم النفير أصيب رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فغسله وكفنه وصلى عليه، ثم أقبل علينا بوجهه الكريم، فقال: ((هذا المطهر يلقى الله تعالى بلا ذنب يتبعه))، وفي بعض الأحاديث: ((من حج ولم يرفث، ولم يفسق خرج من حجه كيوم ولدته أمه))، وفي حديث آخر: ((الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة)).
نعم هذا هو الحج وهذا فضله، وهذه هبة الله لنا وكرامته، أرأيت أخي ماله من المزايا العظيمة، والفضائل الكريمة، وكيف تفضَّل الله سبحانه على عباده الضعفاء المحتاجين إلى عفوه ورحمته، المفتقرين إلى غفرانه ومنه وإحسانه، ولاشك أنه غفور رحيم، فهو قد تفضَّل سبحانه في الحديث الأول وجعل الحج غاسلاً للذنوب، كما يغسل الماء درن الثوب، ونافياً للفقر كما تنفي النار خبث الحديد، كما جاء في الحديث الثاني الخارج من بيته حاجاً أو معتمراً تحت ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله، كما تفضل في الحديث الثالث وأشهد على نفسه ملائكته، بعد أن سأل ملائكته وهو يعلم، وأشهدهم على نفسه، وهو لا يحتاج إلى الأشهاد؛ لأنه صادق الوعد والوعيد، فقال سبحانه ((أشهدوا يا ملائكتي فإني قد غفرت لهم))، بعد ماباهىبهم ملائكته، ولم يكتف بالغفران مرة، ولكنه كرره ثلاثاً، فيا له من فوز ويا لها من نجاة، سبحان الله ما أوسع عفو الله وما أعظم مغفرته، كما يخبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الحديث الرابع أنه يخرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه، كما يقول لنا في الحديث الخامس أنه ليس جزاء الحج المبرور إلا الجنة، فهل بعد هذا من بيان، وهل بعد هذا من إيضاح بأن الحج يكفر الذنوب ويجعل المذنب خارجاً من الذنوب كيوم ولدته أمه، وهذا لعمري دليل واضح، وبرهان قوي وحجة نيرة على أن الحسنات يذهبن السيئات.
الخلود في النار: معناه البقاء الدائم الذي لا نهاية له، يوضح ذلك ويبينه قول الله سبحانه وتعالى: {وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِيْنْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ}، فقد نفى الله هذه الآية أن يكون لبشر البقاء المستمر، أما البقاء المنقطع فقد كان، وأما قولهم خلد السلطان فلاناً في السجن، فعلى ضرب من المجاز.
نعم أنا ...... الله ونعتقد أن من دخل النار من الكفار والعصاة المتمردين الفجار فلا خروج لهم أبداً، وإليك البرهان القاطع في محل النزاع، قال الله سبحانه وتعالى رداً على اليهود لما قالت: {لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلاَّ أَيَّامًا مَعْدُودَةً}، فقال اله حاكياً لقولهم: {وَقَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلاَّ أَيَّامًا مَعْدُودَةً} ثم عقب عليهم بالاستكبار مكذباً لقولهم ومزيفاً له: {قُلْ أَاتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللَّهِ عَهْدًا فَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ}، ثم أتى بالجواب الفاصل والقول الحق مثبتاً للنفي ببلى، فقال سبحانه: {بَلَى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ}، وهذا رد عام، قضى الله فيه على كل كافر وفاجرن وفاسق بالخلود في النار، كما جاء في آية آخرى: {وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا}، فهذه الآيات تدل على خلود العصاة في النار سواء كانوا من أهل التوحيد المتمرين أم من الكفار المعتدين، وكم وكم في القرآن من هذا، وأصرح من هذا قول الله تعالى في سورة يونس: {وَالَّذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئَاتِ جَزَاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِهَا وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ مَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ كَأَنَّمَا أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعًا مِنَ اللَّيْلِ مُظْلِمًا أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ}، وأما ما استدل به الخصوم في قوله تعالى: {فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ، خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ إِلاَّ مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ} فلا دلالة فيها على الخروج، أنى وكيف يكون؛ لأن المشية محتملة أن يكون المعنى أنه محكوم عليهم بالنار الآمدة البقا في الدنيا، أو إلا مدة اللبث في الموقف، وأنه تعليق بالمحال، أي إلا ما شاء ربك، والله لا يشاؤه، فهو تعليق بالمحال، والتعليق بالمحال محال، وهذا كقول العرب حتى يشيب الغراب، وكما قال الله تعالى: {حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ}، مع أنهم لو قالوا أنه يلزم من التعليق بالمشية خروج أهل النار من النار لزم عليهم خروج أهل الجنة من الجنة؛ لأن الكل معلق بمشيئة الله، فلماذا الفرق بين مشية ومشيئة، فإن قالوا: أنه اتبع المشية في حق أهل الجنة بقوله: {عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ}.
قلنا: وكذلك أهل النار قد جاءت الآيات الكثيرة تؤكد الخلود كقوله تعالى: {وَمَا هُمْ عَنْهَا بِغَائِبِينَ}، وكقوله تعالى:{كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيهَا وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ}، وكقوله تعالى: {اخْسَئُوا فِيهَا وَلاَ تُكَلِّمُونِ}، وكقول مالك جواباً علىأهل النار: {إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ}، وكم وكم من آيات قرآنية محكمة تدل على الخلود الأبدي، مع أنه يلزمهم خروج الكفار من النار؛ لأن الشقاوة تعم الكل فالقول بخروج العصاة من النار دون الكفار بحكم وتخصيص من دون مخصص فإن قالوا لنا: أحاديث تخصص العصاة، قلنا: فمن الرواي لها أليس الراوي أبو هريرة الذي أتى بكل طامة في الإسلام، وتقرب من معاوية، ولا يبعد أنه تقرب بوضع مثل هذه الأحاديث تزلفاً وتقرباً إلى معاوية؛ لينال من دنياه، ولعمري لقد جرحه أمير المؤمنين علي عليه السلام ورماه بالكذب، وسماه أكذب دوس، بل لقد ضربه ابن الخطاب على الكذب، وحقاً إن جرح علي له، وابن الخطاب فوق جرح الذهبي، ويحيى بن معين، وابن حجر، وبحق أن قاعدة أهل الحديث في غاية الإنهيار، وهي قولهم: بأن كا الصحابة عدول، فالصحابة لا يدعون لأنفسهم هذه المنزلة ولا يثبتون لها العصمة، فقد جرح بعضهم البعض، بل لقد قتل بعضهم الآخر، ومما لا شك فيه أن فيهم الزاني أمثال المغيرة بن شعبة، وشارب الخمر وقاذف المحصنات، وفيهم البغاة على إمام الحق، الخارجين على أمير المؤمنين وسيد الوصيين، أمثال عبد الله بن عمر، والخارج عليه بسيفين، وهو من رواة حديث الخروج من النار، وفيهم القانت بلعن أمير المؤمنين والحسن والحسين عليهم السلام وعمار بن ياسر وغيرهم من الصحابة الأخيار رضي الله عنهم، بل لقد استباحوا لعن علي عليه السلام سبعين ألف منبر، ورموه بالإلحاد، فلقد أمر معاوية عماله أن يلعنوا علياً بهذا اللفظ، وهو: اللهم ألعن أبا تراب، فإنه ألحد في دينك، وصد عن سبيلك فالعنه لعناً وبيلاً، بل لقد قال خالد بن عبد الله القسري: اللهم ألعن علياً بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم صهر رسول الله عليه على ابنته وأبا الحسن والحسين، ثم يقبل على الناس ويقول هل كنيت، ومن المعلوم قطعاً أن حب علي إيمان، وبغضه نفاق، ولو لم يرد فيه إلا الحديث المشهور ((لا يحبك إلا مؤمن ولا يبغضك إلا منافق))، ومن المعلوم أن الله سبحانه وتعالى قد شهد على المنافقين، قال جل وعلا: {وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ}، أفبعد شهادة الله عليهم بالكذب هل ينبغي لنا أن نأخذ ديننا عنهم؟ ونجعلهم أمناء الله على شرعه سبحانك اللهم هذا بهتان عظيم!! أو ما قد قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (( إن هذا العلم دين فانظروا عن من تأخذوا دينكم))، هذا ومما يؤيد ما قلنا من أن الصحابة لا تدعي نفسها هذه المنزلة المسعرة بالعصمة، وحقاً لقد جرح بعضهم الآخر كما تقدم آنفاً، فهذا علي كرم الله وجهه يقول: ما حدثني أحد بحديث عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلا استحلفته، وحدثني أبو بكر وصدق، وهذا لا يدل على تصديقه لأبي بكر، فلا مانع من أنه إنما صدقه إلاأن الحديث عنده معلوم له من جهة آخرى، وهذا عمر لما أستأذنه الزبير في الغزو، قال: إني ممسك بباب هذا الشعب أن تتفرق أصحاب محمد في الناس فيضلوهم، وقال عمر في سعد بن عبادة سيد الأنصار: اقتلوا سعداً قتل الله سعداً اقتلوه فإنه منافق، ولقد شتم عمر خالد بن الوليد، وحكم بفسقه، وخوَّن عمرو بن العاص، ومعاوية ونسبهما إلى سرقة مال الفيء، وقال عبد الرحمن بن عوف ما كنت أرى أن أعيش حتى يقول لي عثمان يا منافق، وقال: لو أستقبلت من أمري ما استدبرت ما وليت عثمان شسع نعلي، وهذه عائشة خرجت بقميص رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تقول: إن هذا قميص رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لم يبل، وعثمان قد أبلى سنته، وروى بعضهم حديث الشؤم في ثلاثة ، فكذبته، وروى بعضهم حديث التاجر فاجر، فكذبته، وأنكر العباس وعلي وفاطمة حديث أبي بكر ((نحن معاشر الأنبياء لا نورث..))، وقالوا: كيف كان النبي يعرف هذا الحكم غيرنا، ونحن الورثة وأولى الناس بأن يؤدي هذا الحكم إليه، ولم يقبل سعد بن عبادة، وكثير من الصحابة حديث أبي بكر ((الأئمة من قريش...))، وقيل: لابن عباس رضي الله عنه عنهما أن عبد الله بن الزبير يزعم أن موسى صاحب الخضر ليس موسى بني إسرائيل، فقال: كذب عدو الله، وكذَّب عروة بن الزبير وهو تابعي ابن عباس، وهو صحابي حين أخبر أن ابن عباس يقول أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أقام بمكة بعد البعثة ثلاثة عشر سنة، فقال: كذب ابن عباس وقد جاء أمثال هذا عن كثير من الصحابة منما لا يمكننا الإطالة بذكره فلو كانوا يعتقدون عدالة الكل كما يزعم أهل الحديث لما ساغ لأحد منهم رد رواية الآخر بل يجب عليه قبولها والإذعان بما فيها، وبالجملة فالقول بعموم التعديل مردود مهدوم بما تقدم، ولم يبق بعد هذه النقول والإيرادات لدى القائلين به من حجة يدافعون بها عن هذه القاعدة التي اصطلحوا عليها، إلا أن يقولوا هذا لا يصح، وهذا لم يثبت، وإن كان ثابتاً وصحيحاً في نفس الأمر، والله أعلم.
هذا وقد أهمل كثير من أهل الحديث واجب التثبت في الرواية كما أمر الله من جانب وتجاوزوا القدر المطلوب من التثبيت من جانب آخر، فتراهم يصححون ويقبلون بلا أدنى توقف رواية من أخبر الله عنه في كتابه أنه فاسق، كالوليد بن عقبة، ومن أخبر النبي أنه وزغ ملعون كالحكم، ومن أخبر عنه أنه في النار كسمرة، ومن أخبر النبي أنه داع إلى النار، كمعاوية، وعمرو وأمثالهم، ثم تراهم يضعفون من يقل فيه يحيى بن معين، أو أبو حاتم، أو ابن القطان، أو ابن أبي خيثمة، أو أمثالهم لا أعرفه أو لا أحب حديثه، أو في نفسي منه شيء، أو كان يتشيع، أو ربما يهم، وأمثال هذا فيما لا يثبت به جرح، ولم يقم عليه دليل، ولو كان من قيل فيه ما قاله أحدهم من أصدق الناس وأتقاهم درج علىهذا طائفة بعد طائفة، وقبيل بعد قبيل، داء عظال لا علاج له إلا الإبتهال إلى الله عزوجل أن يجعلنا على بصيرة من هذا الأمر بتوفيق منه وإحسان، ثم نقل هذا البحث من عند قوله، فهذا علي يقول ما حدثني أحد بحديث إلى آخره، من النصائح الكافية بتصرف يسير، أفبعد هذا يليق بنا أن نجعل هؤلائي-أعني أهل الحديث- هم الواسطة بيننا وبين رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، على ما فيه من الإفراط والتفريط، والغلو الشديد.
أوما قد بين لنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن من نأخذ ديننا عنه، فقال: ((أنا مدينة العلم وعلي بابها))، كما قال صلى الله عليه وآله وسلم: ((أنا دار الحكمة وعلي بابها))، وكما بين لنا صلى الله عليه وآله وسلم بقوله لعلي عليه السلام: (( أنت تبين للأمة ما اختلفت فيه من بعدي))، إلى غير ذلك من الأحاديث، مع أنا نعارضهم أحاديثهم بأحاديث مروية عن القول أنفسهم، فقد روى مسلم والترمذي: ((لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر)).
وعن عبد الله بن عمر انه سمع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: ((من كان في قلبه مثقال حبة خردل من كبر كبه الله في النار على وجهه))، كما روي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: ((لا يدخل الجنة جبار ولا بخيل، ولا سيئ الملكة))، كما جاء عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: ((لا يدخل الجنة نمام))، وكما روى الإمام أبو طالب في الأمالي بإسناده إلى الرسول صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: ((من اقتطع حق مسلم بيمينه لم يرح رائحة الجنة، قيل يار سول الله: ولو يسيراً، قال: ولو سواكاً من أرك))، إلى غير ذلك من الأحاديث المصرحة بخلود أهل النار في النار، وعدم الخروج منها، وعلى فرض التعارض فلنرجع إلى كتاب الله، ولا شك أن أصل هذا المذهب مذهب اليهود الذي حكى الله عنهم هذا المذهب، المذهب الخسيس المنهار، الحامل للعباد على مخالفة رب الأرباب: {وَقَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلاَّ أَيَّامًا مَعْدُودَةً}، فكر الله عليهم بالإنكار والتوبيخ والتكذيب بقوله: {أَاتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللَّهِ عَهْدًا فَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ}، ثم جاء ببلى المفيدة للإثبات بعد النفي معمماً للحكم على كل عاص، ومن المعلوم عند الأصوليين أن العام لا يقصر على سببه، فقال سبحانه وتعالى: {بَلَى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ}، ثم رتب الحكم على الوصف، فقال سبحانه وتعالى: {فَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ}، وهذا نص في محل النزاع، كما قال سبحانه وتعالى: {وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا}، وكما قال سبحانه وتعالى:{وَمَا هُمْ عَنْهَا بِغَائِبِينَ}، وكما قال جل وعلا: {كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيهَا}، وكما قال سبحانه وتعالى حاكياً عن مالك في جوابه على أهل النار عندما طلبوا تخفيف يوماً من العذاب، فقال: {إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ}، إلى غير ذلك من الآيات القرآنية.
أجل، وهذا المسلك هو الذي ينبغي أن نسلكه عند التنتزع عملاً بقوله سبحانه وتعالى: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ}.
قال علي كرم الله وجهه مفسراً للآية: فالرد إلى الله الأخذ بمحكم كتابه، والرد إلى الرسول الرد إلى سنته الجامعة غير المفرقة، قال الشيخ محمد عبده المصري شارح النهج عند تعليقه على هذه الكلمة المراد بالسنة الجامعة: ما اتفق عليه الخصمان، والقرآن نحن متفقون عليه جميعاً، فلا نحتاج فيه إلى تزكية الذهبي، ولا يحيى بن معين، ولا ابن حجر المكي، ولا العسقلاني، ولا غيرهم من رجال الجرح والتعديل، كابن الصلاح وأمثاله من النواصب.