وأخرج البيهقي بسنده إلى أبي رافع أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: ((من غسل ميتاً فكتم عليه غفر الله له أربعين مرة، ومن حفر له أجرى عليه كأجر مسكن أسكنه، ومن كفنه كساه الله يوم القيامة من سندس واستبرق)) وإذا كان في اسناده مقال فهو معضود بما تقدم.
قلت: ورواه في مجمع الزوائد عن أبي رافع بلفطه؛ إلا أنه قال: أربعين كبيرة بدل مرة، وليس فيه: ((ومن كفنه..)) إلى آخره، فما رأيكم في هذه الأحاديث المروية عن أئمة العترة الطاهرة، وعلى رأسهم الإمام زيد بن علي، والهادي إلى الحق، والإمام أحمد بن عيسى عليهم السلام، أليست ناطقة بأنها تكفر جميع الذنوب؛ لأنها تقول أن الغاسل إلى آخره يخرج من الذنوب عطلاً، وفي بعضها كيوم ولدته أمه، فهل ترضوا منا إذا ما تأولناها، وقلنا إنها تكفر لبعض العمد، ولا نقول أنها تكفر ولا تكفر؛ لأنها على رأيكم لا تكفر إلا الخطأ والنسيان، وقد من الله برفعهما، فالتكفير على قولكم كلا تكفير لا قوة إلا بالله.
روى الإمام زيد بن علي في مجموع آبائه عن علي عليهم السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ((صدقة السر تطفي غضب الرب تعالى، وإن الصدقة لتطفي الخطيئة كما يطفئ الماء النار؛ فإذا تصدق أحدكم بيمينه فليخفها عن شماله؛ فإنها تقع بيمين الرب تبارك وتعالى، وكلتا يدي ربي سبحانه، وتعالى يمين، فيربيها كما يربي أحدكم فلوه أو فصيله حتى تصير اللقمة مثل جبل أحد))، ومثله في أمالي أحمد بن عيسى بحذف يمينه، ومثل جبل أحد، أليس هذا الحديث ينطق ويصرح ويفهم بان الصدقة تطفي غضب الرب، وأنت تعلم أنه تعالى حليم كريم لا يغضبه إلا الأمر العظيم، وأما الصغير فهو لا يبالي به ولا يلتفت إليه، فمن هنا نعلم أن للصدقة تأثيراً عظيماً لا يكتنه كنهه؛ لأنها تطفي غضب الجبار؛ فيستنبط من هذا الحديث تكفير الذنوب الكبيرة، يزيدك وضوحاً وبياناً لما قلناه أن آخر الحديث يقول بأنها تطفي الخطيئة كما يطفي الماء النار، ومن المعلوم قطعاً أن الماء يصيِّر النار رماداً، ويخمدها إخماداً.
في أمالي الإمام أحمد بن عيسى عليه السلام قال القاسم عليه السلام، والحسن، ومحمد عليهما السلام، ويوم عاشوراء هو اليوم العاشر من محرم بلا اختلاف في ذلك، وصومه حسن جميل، وفيه فضل كثير، ولا حرج على من ترك صومه، قال: وروي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم إنه كان يصومه، وقال القاسم عليه السلام: صيام يوم عرفة حسن جميل، وجاء فيه فضل كثير، وأن صيامه كفارة سنة.
وفي (الجامع الكافي) وقال محمد: بلغنا عن علي عليه السلام أنه كان يأمر بصومه، وذكر فيه فضلاً كثيراً، وفيه -أي في الجامع الكافي- روى محمد عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ((من صام يوم عرفة كان كفارة سنتين سنة لما مضى، وسنة لما يستقبل)).
وفي (البحر): وصوم يوم عاشوراء لقوله صلى الله عليه وآله وسلم: ((كفارة سنة)) ولفظه عن أبي قتادة عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال:((صوم يوم عاشوراء احتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله)).
وقال في البحر: وصوم يوم عرفة لقوله صلى الله عليه وآله وسلم: ((صوم يوم عرفة)) ولفظه عن أبي قتادة أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: ((صوم يوم عرفة إني احتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله، والسنة التي بعده)).
نعم هذان الحديثان يدلان على أن صوم هذين اليومين يكفران الذنوب، الأول يكفر ذنوب سنة، والآخر يكفر ذنوب سنتين، فماذا أراد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بهذا التكفير، هل أراد الذنوب الواقعة على وجه العمد؟ أم الذنوب المترتبة على ما عفى الله عنه وتفضل بغفرانه؟، ومنَّ علينا برفعه تفضلاً منه وإكراماً، ورحمة منه وإحساناً، فأعمل الأحاديث وأخرجها مخرجاً حسناً، والله أعلم.
في مجموع الإمام زيد بن علي عن آبائه عن علي عليهم السلام قال: قال رسول صلى الله عليه وآله وسلم: ((من أراد الدنيا والآخرة فليؤم هذا البيت، فما أتاه عبد يسأل دنيا إلا أعطاه منها، ولا يسأله آخرة إلا أدخر له منها، أيها الناس تابعوا بين الحج والعمرة؛ فإنهما يغسلان الذنوب كما يغسل الماء درن الثوب، وينفيان الفقر كما تنفي النار خبث الحديد)).
وعن زيد بن علي عليه السلام عن آبائه عن علي عليهم السلام قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: ((تحت ظل العرش يوم لا ظل إلا ظله رجل خرج من بيته حاجاً أو معتمراً إلى بيت الله الحرام))، وفيه عن زيد بن علي عن آبائه عن علي عليهم السلام قال: لما كان عشية عرفة ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم واقف، أقبل على الناس بوجهه، فقال: ((مرحباً بوفد الله-ثلاث مرات- الذين إذا سألوا الله أعطاهم، ويخلف عليهم نفقاتهم في الدنيا، ويجعل لهم في الآخرة مكان كل درهم ألفاً، إلا أبشركم، قالوا: بلى يا رسول الله، قال: فإنه إذا كان في هذه العشية هبط الله سبحانه إلى سماء الدنيا، ثم أمر الله ملائكته فيهبطون إلى الأرض، فلو طرحت إبرة لم تسقط إلا على رأس ملك، ثم يقول سبحانه وتعالى: يا ملائكتي انظروا إلى عبادي شعثاً غبراً قد جاؤني من أطراف الأرض، هل تسمعون ما قالوا، قالوا: يسألونك أي رب المغفرة، قال: أشهدكم إني قد غفرت لهم ثلاث مرات، فأفيضوا من موقفكم مغفوراً لكم)).