ومما جاء في صلاة الجمعة ((من توضأ فأحسن الوضوء، ثم أتى الجمعة فاستمع وانصت غفر له من الجمعة إلى الجمعة، وزيادة ثلاثة أيام)) أخرجه مسلم أليست هذه الأحاديث الواردة في الصلوات الخمس، والجمعة ناطقة ومصرحة وقائلة بأن الله يغفر بها الذنوب الصادرة من عباده المقصرين، فما هي هذه الذنوب المكفرة المغفورة أهي عمد، أم خطأ، فإن قلت: عمد عرفنا بأنه ليس كل عمد كبيرة وهو المطلوب، وإن قلت: خطأ ونسيان ابطلت الأدلة وأهملت معانيها وصيرتها بالتأويل المتعسف البعيد خالية جوفاً وعطلت المقصود منها وجعلتها ككادث ومادث، ما أراك ترضى بهذا فأعد النظر واعمل الأدلة لتخرج من هذا المأزق الحرج، والله الهادي إلى سواء السبيل.
أخرج محمد بن منصور المرادي عن أم هاني أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم علم عمه العباس صلاة التسبيح لما جاء إليه قائلاً له قد علمت يارسول الله ما كان مني في الجاهلية، فعلمه صلاة التسبيح المعروفة المذكورة في موضعها، ثم قال: ((والذي نفس محمد بيده لو كانت ذنوبك يا عباس مثل عدد نجوم السماء، وعدد رمل عالج لغفرها الله لكل)).
وفي (شرح الإبانة) وأما صلاة التسبيح فهي ما علم النبي صلى الله عليه وآله وسلم جعفر بن أبي طالب إلى آخر كلامه.
وروى أبو العباس الحسني عن الهادي مثل ذلك في مسائل محمد بن القاسم التي سأل عنها والده محمد بن إبراهيم.
أما فضل النوافل فصلاة التسبيح وهي صلاة جعفر بن أبي طالب علمه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بخيبر، فقال له ألا أهب لك إلا أعطيك ألا أنحلك، قال: حتى ظننت أن رسول الله سيعطيني ما لم يعط أحداً، فعلمني صلاة التسبيح، ومن هنا قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم المتلو عليك لجعفر وللعباس عليه السلام تعرف مكانة هذه الصلاة ومالها من المزية والمرتبة، أو ما ترى ما قاله النبي صلى الله عليه وآله وسلم لعمه العباس مبيناً لفضلها وأجرها ومحوها لذنوب لمن فعلها، وإن جلت وعظمت وبلغت الغاية القصوى حتى ولو كانت عدد نجوم السماء إلى آخر الحديث، فما هذه الذنوب التي تكفرها هذه الصلاة أهي ...على سبيل العمد، فإن قلت: نعم رجعت عن قولك، وجعلت للحديث معنى قويماً واعطيته مفهوماً حسناً ورعيته حق رعايته من ترغيبه لعباده في فعل الطاعة، وإن قلت: هي الخطأ والنسيان أوقعت نفسك في مأزق حرج لا يمكن الخروج منه إلا بالرجوع عن المذهب، وبالله عليك هل جاء العباس إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم في وقت الهاجرة يشكو مما وقع منه في الجاهلية هذا الأمر الذي أفزع العباس وأخرجه وحمله على الذهاب إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم في مثل هذا الوقت هل هو صادر منه على سبيل العمد أم على سبيل الخطأ والنسيان لا شك أنه على سبيل العمد والعدوان لهذا خرج وقت الهاجرة، ومن أجل هذا سأله النبي صلى الله عليه وآله وسلم قائلاً: ((يا عباس يا عم النبي ما جاءبك في الهاجرة)) فقال العباس مجيباً عليه بأبي أنت وأمي ذكرت ما كان مني في الجاهلية، فعرفت أنه لم يفرج عليَّ بعد الله غيرك فعلمه النبي صلى الله عليه وآله وسلم صلاة التسبيح مبيناً له مزاياها، وما فيها من الفضل ومالها من المكانة عند المولى جل جلاله، وأنت لا تستطيع أن تجزم بأن هذه الذنوب المفروضة المقدرة المشبهة بنجوم السماء إلى آخر ما ذكره، تصدر على سبيل الخطأ والنسيان حتى تعد عندك صغيرة مكفرة بجانب هذه الضلاة العظيمة، سبحانك اللهم وبحمدك ما هذا بك.
عن علي بن موسى الرضى عن آبائه عن علي عليهم السلام قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: ((قال الله تعالى لا إله إلا الله حصني، فمن دخل حصني أمن من عذابي)).
وفي رواية آخرى للحديث حدثني أبي موسى الكاظم عن أبيه جعفر الصادق عن أبيه الباقر عن أبيه زين العابدين عن أبيه شهيد كربلاء عن أبيه علي المرتضى قال حدثني حبيبي وقرة عيني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: ((حدثني جبريل عليه السلام، قال حدثني رب العزة تبارك وتعالى، قال: لا إله إلا الله حصني فمن قالها دخل حصني ومن دخل حصني أمن من عذابي)) وعن علي بن موسى الرضى بالسند المذكور قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ((إن لله عموداً من ياقوت أحمر رأسه تحت العرش وأسفله على ظهر الحوت في الأرض السابعة، فإذا قال العبد لا إله إلا الله أهتز العرش وتحرك العمود، فيقول الله تعالى اسكن عرشي، فيقول: كيف أسكن وأنت لم تغفر لقائلها، فيقول الله عزوجل أشهدوا سكان سمواتي إني قد غفرت لقائلها)).
وأخرج الديلمي عن أنس قال: إذا قال العبد: لا إله إلا الله خرقت السماء حتى تقف بين يدي الله عزوجل فيقول: اسكني، فتقول: كيف أسكن، وأنت لم تغفر لقائلي، فيقول الله تعالى: ما أجريتك على لسانه إلا وقد غفرت له.
وأخرج الترمذي عن جابر مرفوعاً: ((أفضل الذكر لا إله إلا الله)) وقد جاء في اثنى حديث رواه الإمام زيد بن علي في المجموع عن آبائه عن علي عليهم السلام، قال: قال رسول اله صلى الله عليه وآله وسلم: ((لقنوها موتاكم؛ فإنه من كانت آخر كلامه من الدنيا دخل الجنة)) وظاهر هذه الأحاديث يدل على فضل لا إله إلا الله، وأنها بنفسها تكفر الذنوب وتوجب لصاحبها دخول حصن الله والأمن من عذابه، وتهز العرش وتحرك العمود حتى يشهد الله على نفسه سكان السماء بالغفران لقائلها، والظاهر من هذه الأحاديث أنها تكفر كل الذنوب فلم لا نقول أنها تكفر بعض العمد إن لم نقل أنها تكفر الكل، لهذا أمرنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن نلقنها موتانا، وبين لنا أنها من كانت آخر كلامه أدخله الله الجنة، فهل ترضى منا بأن نخرج عن هذا الظاهر، ونقول بأنها مكفرة لبعض ما اظنك تخالف في هذا، وكل على أصله، والله الموفق للصواب.
روى علي الرضى بن موسى الكاظم بإسناده إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: ((من قال حين يدخل السوق سبحان الله والحمد لله، ولا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، يحيي ويميت، وهو حي لا يموت، بيده الخير، وهو على كل شيء قدير، اعطي من الأجر بعدد ما خلق الله إلى يوم القيامة)) فهل ترى هذا الأجر العظيم والثواب الجزيل يكفر بعض العمد، أم تجرى به الموازنة أم يغلق الباب.