وفي (أمالي أبي طالب) عليه السلام عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ((ألا أدلكم على ما يكفر الله به الخطيئات ويزيد في الحسنات، قالوا: بلى يا رسول الله، قال صلى الله عليه وآله وسلم: اسباغ الوضوء على المكاره، وكثرة الخُطى إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة)) هذا ما جاء في الوضوء من تكفيره للخطيئات، والسيئات، فقل لي بربك بإنصاف ما هي هذه الخطيئات، وما تلك السيئات التي يكفرها الوضوء هل هي الخطأ والنسيان المرفوعان بالدليل، فإما أن تقول أن هنالك خطايا متعمدة وإلا عطلت الأدلة؛ لأن تكفير ما هو مرفوع محال، فإذا لم تقل أنها بعض العمد كان معناها متروكاً به مرمياً به وراء الحائط، وكأنما جيىء بها ......بها وشخل الأوقات والدفاتر والأوراق بها، وما أظنك تقول بهذا أو يقول به عاقل فضلاً عن عالم جليل.

وإليك ما جاء في الأذان من التكفير للذنوب والمعاصي تفضلاً من الله ورحمة، روى إمام الأئمة زيد بن علي في مجموعه عن آبائه عليهم السلام عن رسول صلى الله عليه وآله وسلم قال: ((يأتي المؤذنون يوم القيامة أطول الناس أعناقاً ينادون بشهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله، فلا يسمع المؤذنين شيء إلا شهد لهم بذلك يوم القيامة، ويغفر للمؤذن مد صوته وله من الأجر مثل المجاهد الشاهر لسيفه في سبيل الله)).

وفي أمالي الإمام أبي طالب عليه السلام عن عبد الله بن مسعود أنه قال: لو كنت مؤذناً ما كنت أبالي أن أحج ولا أعتمر ولا أغزو، وسمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: ((من أذن سبع سنين تصدق له نيته، كتب له براءته من النار)) ثم قال: (( لو أن الملائكة نزلت من السماء لغلبتكم على الأذان)).

وأخرج النسائي عن البراء بن عازب أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: ((إن الله وملائكته يصلون على الصف المقدم، والمؤذن يغفر له مدا صوته، ويصدقه من سمعه من رطب ويابس، وله من الأجر مثل أجر من صلى معه)) هذا هو الأذان، وهذا هو فضله، وهذا هو الرسول صلى الله عليه وآله وسلم يصرح بأنه مكفر للذنوب وإن كثرة وبلغت في الكثرة ملأ الجهات التي يبلغها صوت المؤذن، وهذا تمثيل وتصوير للذنوب بالأشياء المحسوسة التي تملأ الجهات، وهذا دليل واضح على فضل الأذان وإن له شأناً كبيراً ومكانة عظيمة عند المولى عزوجل، وإنه يكفر الذنوب الكثيرة ويذهبها ويرفع الدرجات ويسمو بها إلى الغاية القصوى فما هي هذه الذنوب التي يكفرها الأذان وإن بلغت مبلغاً عظيماً في الكثرة، بل يكتب لمن أذن سبع سنين صادق النية، البراءة من النار، فإذا كانت الذنوب التي يكفرها الأذان هي الخطأ والنسيان فأين التكفير يا أولي الألباب وهل هذا إلا إهدار للنص وإهمال له الصلاة، وما جاء فيها من التكفير للذنوب.

أخرج الإمام زيد بن علي عليه السلام في المجموع عن آبائه عليهم السلام عن علي كرم الله وجهه الصلوات الخمس كفارة لما بينهن ما اجتبت الكبائر، وهي قول الله عزوجل: {إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ} قال يحتمل القائل الحسين عليه السلام بالكبائر.

قال علي عليه السلام: (قتل النفس المؤمنة وأكل مال اليتيم، وقذف المحصنة، وشهادة الزور، وعقوق الوالدين، والفرار من الزحف).

وقد روى البخاري أن سبب نزول هذه الآية أن رجلاً قتل امرأة، وفي بعض كتب الحديث إنه فعل جميع المقدمات للزنا ما عدا الوطئ، ثم جاء إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم قائلاً له وفعلت وفعلت، وفعلت فنزلة الآية: {أَقِمِ الصَّلاَةَ طَرَفِي النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ}فهل تراه فعل هذا على سبيل العمد أم على سبيل الخطأ والنسيان.

نعم: وإن كان ظاهر الحديث أن ما عدا هذه الأشياء المذكورة في الحديث تكفر بالصلاة إلا أنا لا نجزي على الظاهر مفهوم العدد غير معمول به؛ لأنه معارض لصرائح الكتاب والسنة، أما ترى القرآن يصرح بأن الشكر ظلم عظيم، وهو غير مذكور في هذا الأثر، وكذا الربا من المعاصي العظمىالبالغة في الكبر...وغيرها من كبار المعاصي غير مذكورة هنا؛ فكأنه قال هذه وما ساواها؛لأنك قد عرفت قوله فيما مضى أن الكبيرة ماورد الوعيد عليها من قوله عليه السلام ومباين بين معاصيه من كبير أوعد عليه نيرانه، أو صغيراً رصد له غفرانه، ومن هنا تعرف صحة هذا التأويل.

وإليك ما يوضح ويحقق ما قلنا من الرواية الأخرى الذاكرة لأشياء من المعاصي لم تذكره الأولى، فقد روى السيوطي عنه عليه السلام أنه قال الكبائر الشرك بالله، وقتل النفس، وأكل مال اليتيم، والسحر، وعقوق الوالدين، وفراق الجماعة، ونكث الصفقة، وهذا مما يدل لك أنه عليه السلام لا يريد الحصر؛ لأن الرواية الأخرى اثبتت ما لم تثبته الأولى، وتركت بعض ما اثبته الأولى، ألا ترى أن الشرك والسحر والربا وفراق الجماعة غير مذكور في الرواية الأولى كما تركت الرواية الأخرى ما ذكرته الأولى من القذف، واليمين الغموس، والفرار من الزحف، وفيه أيضاً الكبائر تسع: الشرك بالله، وقتل النفس التي حرم الله، وألك مال اليتيم، وقذف المحصنة، والفرار من الزحف، وعقوق الوالدين، واستحلال البيت الحرام قبلتكم أحياء وأمواتا، ومن رواية جمع الجوامع تعرف أن المعاصي تتفاوت في العظم والكبر، وأن هذه المذكورة هي أعظم المعاصي عقوبة وأخذاً وتنكيلاً وإيجاباً للإحباط من قوله: أشدها الشرك، ثم عد البقية المشاركة للشرك في العظم والكبر، ومثل هذه لا يكمن فيها الموازنة بل توجب لمن أرتكبها النيران إلا أن يتوب عوداً على بدء.

وأخرج مسلم والترمذي عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: ((الصلوات الخمس كفارة لما بينها)).

4 / 10
ع
En
A+
A-