ولنختم الرسالة بقول علي عليه السلام -تبركاً به-، قال عليه السلام وهو يحذرنا من الموت ويخوفنا من مغبته: فاحذورا الموت؛ فإنه يأتي بأمر عظيم وخطيب جسيم، بخير لا يكون معه شر أبداً، وشر لا يكون معه خير أبداً، ثم يقول في التحذير من النار: فاحذروا ناراً قعرها بعيد، وحرها شديد، وعذابها جديد، دار ليس فيها رحمة، ولا تسمع فيها دعوة، ولا تفرج فيها كربة، كما يقول عليه السلام في خطبته الغراء واصفاً للإنسان ومصيره بعد حمله إلى قبره: حتى إذا أنصرف المشيع، ورجع المتفجع، أقعد في حفرته نجياً لبهتة السؤال، وعثرة الإمتحان، وأعظم ما هنالك بلية، نزول الحميم، وتصلية الجحيم، وفواران السعير، وسورات الزفير، لا فترة مريحة، ولا دعة مزيحة، ولا قوة حاجزة، ولا موتة ناجزة، ولا سنة مسلية بين أطوار الموتات، وعذاب الساعات، إنا بالله عائذون ... أهل المعصية أنزلهم شر دار، وغل الأيدي إلى الأعناق، وقرن النواصي بالأقدام، وألبسهم سرابيل القطران، ومقطعات النيران، في عذاب قد أشتد حره، وباب قد أطبق علىأهله، في نار لها كلب ولجب، ولهب ساطع، وقصيف هائل، لا يظعه مقيمها، ولا يفدى أسيرها، ولا تفصم كبولها، لامدة للدار، فتفني، ولا إجابة للقوم فيقضى، فلينظر الناظر بعقله في كلام الوصي، فهو الكلام الذي عليه مسحة من الكلام الإلهي، وعبقة من الكلام النبوي، وليتأمل فيه هل يدل على الخلود في النيران والمكث الأبدي الذي لا نهاية له، أم يدل على الخروج منها، والإنتقال إلى جنات تجري من تحتها الأنهار، ولعمري أنا نورد هذا لو كان صحيحاً مؤيداً بالأدلة والبراهين الصحيحة؛ لأنا نعرف من أنفسنا بأنا مذنبون، وفي حق الله مقصرون، لا يصلج لنا إلا مثل هذا المذهب المرن، المغري للعباد على المعاصي، فلنتق الله تعالى في أنفسنا ولنحاسبها حساباً دقيقاً، ولنعلم أنه ليس بعد الموت مستعتب، وما بعد الدنيا من دار إلا الجنة أو النار، فلا نمني أنفسنا بالأماني الباطلة، وإلاقوال الخيالية، فالعاقل من دان نفسه وعمل لما بعد الموت، والأحمق من أتبع نفسه هواها، وتمنى على الله، وصدق الله العظيم إذ يقول: {لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلاَ أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ}.
ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، واستغفر الله العظيم لي ولجميع إخواني المؤمنين، كما أسأله حسن الختام والتوفيق، وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وآله الطاهرين. آمين.
هذا ولقد كان الفراغ من نسخ هذه الرسالة التي هي لمولانا العلامة عماد الإسلام، وتاج الآل الأعلام، يحيى بن عبدالله راوية الهروي، حفظهم الله وأبقاهم وزاد في الرجال من أمثالهم.
يوم الثلاثا الموافق 5شهر جمادى الآخرة عام 1399هـ.
بقلم الفقير إلى ربه الراجي من الله غفران ذنوبه محمد بن عبد الله الحجازي غفر الله له ولوالديه ولكافة المؤمنين والمؤمنات آمين آمين.