رسالة الغفران الدالة على رحمة الملك الديان

تأليف

 السيد يحيى بن عبد الله راوية الهروي
بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين

الحمد لله الداعي للعباده إلى رحمته وجنته وثوابه، وغفرانه، المنفر لهم عن معاصيه، والمحذر من معاصيه وغضبه، ونيرانه، والحمدلله الذي جعل الجنة لمن أطاعه، والنار لمن عصاه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولا ند ولا نظير ولا شبيه، ولا مثيل، المتفضل على من أطاعه بمضاعفة الثواب، والرحيم بالعباد، العادل في العقاب، القائل في كتابه المنزه من الباطل، المنزل من الحكيم الحميد: {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلاَ يُجْزَى إِلاَّ مِثْلَهَا}.

فرغب في الطاعة فضاعف ثوابها، ونفر عن المعصية، وجعل جزاءها مثلها، وصدق الله سبحانه إذا يقول: {وَلاَ يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا}.

وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، وصفيه ونجيبه الداعي إلى سبيل ربه بالحكمة والموعظة الحسنة، الذي صبر على الأذى، وصابر وعبد ربه حتى أتاه اليقين، ورغب في الطاعة قولاً وفعلاً وعملاً، ونفر عن المعصية لعظم الثواب وحسنه، ومثله بأجلا مظاهره وصور العقاب أوضحه، وضرب لهما الأمثال، فقال على لسان ربه: {مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى وَلَهُمْ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَمَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ كَمَنْ هُوَ خَالِدٌ فِي النَّارِ وَسُقُوا مَاءً حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ} صلى الله عليه وعلى آله وسلم.

وأشهد أن علياً أخوه ووصيه، والخليفة من بعده بلا فضل، المبين للأمة ما اختلف فيه بعد أخيه المنزل منه بمنزله هارون من موسى، الذي أفاض عليه من علمه ونوره الرباني، فهو بلا شك تلميذ محمد، وخريج الجامعة النبوية، والكلية الإسلامية خدين النور الإلهي، والإيمان القوي الذي شهد له محمد صلى الله عليه وآله وسلم بل ورب محمد بالعلم والإيمان، أخص الناس بنبيه وآخرهم به عهداً، المنزل فيه: {وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ} والآتي فيه على لسان النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ((أنا مدينة العلم وعلي بابها)) وكافي بقائل يقول مصوراً لهذه الأشياء:

ولا عجب أن طبت عرساً فلم يكن
وربيت في حجر الرسول ملقنا
تلقيت منه الدين طفلاً ويافعاً

 

على الأرض غير البيت ضمك مولد
هداه كما شاء الإله المسدد
فطونى لمن غذاه بالدين أحمد

 وبعد فإنه وصلني كتاب من سيدي العلامة العامل الورع الحسن بن عباس يشير فيه إلى ما يرى في المعاصي من أنها محبطة للأعمال، وأن الكبائر غير محصورة، وأنها موجبة للخلود في النيران غير مفرق بين معصية ومعصية، وكأنه يرى بأن كل عمد كبيرة محبطة للأعمال الصالحة، وهذا القول في غاية البعد، لأنا إذا ما سلكنا هذا المسلك أبطلناه، وبعبارة اليق تأولنا الكثير من الآيات القرآنية الدالة على التكفير، والموازنة المضحة، والمنبهة على سعة رحمة الله وعفوه، ونظره لعباده، وأيضاً سيؤدي هذا المذهب المتشدد الضيق إلى تأويل الكثير والكثير من السنة الصحيحة الصريحة الناطقة بتكفير الذنوب، والصادعة بسعة عفو الله وغفرانه لعباده المقصرين الذين وسعتهم رحمته، الأمر الذي أوجب عليَّ أن أحرر رسالة لإيضاح الأدلة مؤيده بالبراهين النيرة، كتاباً وسنة وآثاراً علوية، وإن كنت معترفاً بقلة البضاعة وقصور الباع، لكن كما قال الله جلت رحمته: {وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ...} الآية، وسميتها رسالة الغفران الدالة على رحمة الملك الديان، وبعد:

1 / 10
ع
En
A+
A-