حاطبة للقوم وهي كاظمة
فما ترى في غضب البتول
وغضب السبطين والخليل
أليس منه غضب الرسول
وغضب المهيمن الجليل
وقد ذكرنا من فضل أهل البيت عليهم السلام ما ذكرنا مما تقدم ومما سيأتي ذكره إن شاء الله تعالى، فإنا قد وعدنا في خطبة الكتاب بذكر ما نظفر به من أقوالهم في المتقدمين على أمير المؤمنين عليه السلام، وما يتعلق بذلك مضافاً إلى ما نذكره في أمره عليه السلام[93] وأمر القوم من الآيات المقدسة العظيمة، والآثار النبوية الكريمة، وإجماع أهل البيت عليهم السلام، وقد ذكرنا في أثناء الكتاب أولاً وآخراً من أقوال أمير المؤمنين علي عليه السلام ما فيه مقتنع لمرتاد الحق، وكفاية لطالب الصواب، وقد قدمنا أيضاً من كلام فاطمة الزهراء سيدة النساء عليها السلام ما رواه الإمام المنصور بالله عليه السلام، وهو ما خاطبة به نساء المهاجرين والأنصار، لما اجتمعنا إليها عند شدة مرضها، وقوة علتها، ونحن الآن موردون كلامها عليها السلام في أمر فدك، وخطبتها هنالك، غير ملتفتين إلى ما يهذي به المخالفون من أن هذه الخطبة ولدها أبو العيناء الضرير، فلقد أبعد المخالف في الدعوى، وأساء في الظن، وجحد ما لا يجحد، وإنما كان يمكنه التلبس بمثل هذا الهذيان، على ما لا يسبر له لو كان لا يوجد لها صلوات الله عليها، ولا لأمير المؤمنين، ولا لولديه السبطين الطاهرين، الحسن والحسين صلوات الله عليهم أجمعين، ولا للأئمة السابقين المطهرين بعدهم عليهم السلام في ذلك مقال، ولا يعلم فيه مجال، فأما ما فتحوه من أبوابه، وكشفوا من حجابه، على استبيان طلوع شموسه وأقماره، وظهر فصوح ليله بنهاره، ولم تتمكن من ذلك، ولن تجد إليه سبيلاً، إنما هو أمر تطابق عليه الكتاب والسنة المعلومة، وإجماع العترة عليهم السلام، كل ذلك قضا بالإمامة من غير فضل بعد رسول الله صلى الله عليه وآله لأمير المؤمنين عليه السلام، وسيد الوصيين كما قدمنا ذلك مفصلاً، فجحدان الخطبة، ونسبتها إلى الضرير، لأجل الحذر من انكشاف ما قد كشفته هذه الحجج المعلومة، ونبه عليه كلام أمير المؤمنين، وكلام أبنائه الطيبين في فدك وفي غيرها من أمور القوم لا يلتفت إليه، بل ذلك كله محق؛ لكون هذه الخطبة والموقف الذي يأتي ذكره الآن بمشيئة الله عن فاطمة عليها السلام، ووصيتها عليها السلام مشهورة مذكورة عند أهل البيت عليهم السلام، كما روى ذلك الإمام المنصور بالله عليه السلام، ولا خلاف فعلمه بين أهل البيت عليهم السلام في أن فاطمة عليها السلام ماتت غضبانة على القوم، مباينة لهم، قالية لهم، لا تناكر في ذلك بين آل محمد صلوات الله عليه وعليهم أجمعين، وهذا أمير المؤمنين عليه السلام يقول في كتاب نهج البلاغة: فنقضوا عهد رسول الله صلى الله عليه وآله، وخالفوا إلى غير فعله في أخذهم فدكاً من يد ابنته، وتأولوا ما لم يعلموا معرفة حكمه.
ومن كتاب الكامل المنير روى أبو بكر محمد بن الوليد قال: لما اشتكت فاطمة عليها السلام شكواها التي توفيت فيها جاءها أبو بكر يعودها، فاستأذن عليها فكرهت أن تأذن له، فأخبر أن علي عندها فأرسل إليه يسأله أن يأمرها تأذن له فأذنت، فكلمها فأبت أن تكلمه فسأل علياً عليه السلام أن يأمرها أن تكلمه فكلمته.