إذا ما قيل جدكم الرسول
أليس أبوكم الهادي علي
وأمكم المطهرة البتول
وقد ثبت أن أفضل الثمرة على حسب فضل الشجرة، فالحنظلة لا تخرج إلا من شجر الحنظل، والتفاحة من التفاح، والرمانة من الرمان، ويقال: الثمر يدل على الأصل، ويشرف الثمر بشرف الأصل، ولا يسوى أولاد من ظهرت عليه المعجزات، وأولاد من ظهرت على يديه الفاحشات، وأولاد من سن الهدايات وجاء بالآيات، وأولاد من ابتدع الضلالات، وتلطخ بالقذارات، وقال تعالى: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً}[الأحزاب:33] فأين من طهر من الرجس ممن لم يطهر منه، وبنو أمية لعنهم الله هم الذين أساؤا للناس، نفي الفضل عن أولي الفضل من آل الرسول عليهم السلام، فإن معاوية كتب إلى علي عليه السلام كتاباً يذكر فيه فضائل أقوام سبقوا في الفضل على أمير المؤنين عليه السلام بزعمه، فأجابه علي عليه السلام بما فيه شفاء للكلام، بل هو شفاء من الموت الزؤام، لو كان له شفاء في الأنام، وقد قدمنا ذكر الكتاب والجواب أولاً، فخذه من موضعه، فالغرض الاختصار، فذلك وأمثاله من كلامه عليه السلام المتقدم فيه نهاية الفضل بالنسب، والقرابة من الرسول عليه الصلاة والسلام، وقوله عليه السلام عندنا هو القول الفصل، إذ هو المقطوع على عصمته، والمعلوم صدق حكايته، وقد أفادنا فيما تقدم من كلامه دلالة الفضل الذي جعله الله عز وجل لأهل البيت المطهرين صلوات الله عليهم أجمعين، ومن جملة ما احتج به قوله تعالى: {وَأُوْلُوا الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ} بعد ذكره لأنواع من الفضل، فإن هذا عام في كل شيء، فإذا كان لمحمد صلى الله عليه فضل النبوة، ولعلي عليه السلام فضل الوصية والولاية، ولفاطمة فضل الولادة، وللحسن والحسين فضل البنوة، بل الفضل الذي دلت عليه آية التطهير من الأرجاس، وأولادهم في كل زمان أولى بفضلهم من جميع الناس، فإذا كان فضل من تقدم يعلو على من تقدم ، كيف إن بان أن فضل من هو أولى بفضلهم من أولادهم لا يبلغ إليه إنسان، وأيضاً فإنهم عليهم السلام بحكم الله تعالى منصب الإمامة، ومعدن الزعامة، ولا يخفى فضل الإمامة على ما فضل به سائر العامة، وعلى هذا قال تعالى لإبراهيم عليه السلام: {إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ} ذريته إذ هو نبي لا يجوز ألا يجيب دعوته، ولا خلاف أن من عدا أولاد الحسن والحسين وولد إبراهيم لا يختص في باب الإمامة في غير ما يختص به سائر الناس، فلم تبق إجابة الدعوة إلا في أولاد الحسن والحسين عليهم السلام، وأيضاً فلهم من الله تعالى شرف العصمة في إجماعهم من بين سائر الأمة، ولا يعتد بإجماعهم من دونهم، فالإجماع يثبت بثبوتهم، وينتفي بانتفا[90] إجماعهم، وهذه مرتبة أخرى، ومنزلة عظمى، وأيضاً فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: ((ليس أحد من الخلائق يفضل أهل بيتي غيري)) وهذا صريح بفضلهم، وعلو قدرهم ونبلهم، وأيضاً فمن فضلهم أن المتمسك بهم سالم، وبغيرهم نادم، كما تقدم في خبر التمسك، وأيضاًً فهم سفينة النجاة، وباب حطة، كما تقدم في خبر السفينة، وخبر باب حطة، وأيضاً فهم الطائفة الناجية كما تقدم في الخبر، وأيضاً فهم الذي أمرنا باتباعهم وسؤالهم والاستفتاء منهم، فلولا أنهم الأفضل والأعلم ما ألزم الله ذلك ولا حكم به، فإنها لا تخفى مرتبة المفتي على المستفتي، وقد قال تعالى: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ} وقد بين لنا أهل الذكر بقوله: {قَدْ أَنزَلَ اللَّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْراً، رَسُولاً} فكأنه يقول: اسألوا آل الرسول عليه السلام، وأيضاً فقد أمرنا بطاعتهم والدخول تحت أمرهم، وهذا دليل الرئاسة، وأنهم أهل السيادة والرئاسة، ودليله قوله تعالى: {وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ} فأفهمنا أن أولي الأمر هم الذين إليهم الاستنباط، والفهم والمعرفة والعلم، وإليهم الرد والاستفتاء، وبين أن هؤلاء الذين إليهم الفتوى والرجوع والاستفتاء فهم أهل الذكر دون غيرهم من الناس، وهم آل الرسول المصطفى صلى الله عليه وآله النجبا، وكل ذلك نطق به الكتاب، ولم يقع فيه الارتياب، وأيضاً فقال علي عليه السلام: انظروا أهل بيت نبيكم، فالزموا سمتهم، واتبعوا أثرهم، فلن يخرجوكم من هدى، ولن يعيدوكم في ردى، فإن لبدوا فالبدوا، وإن نهضوا فانهضوا، ولا تسبوهم فتضلوا، ولا تتأخروا عنهم فتهلكوا، فهذا كلام المعصوم المعلوم العصمة، وفيه بيان أن أهل البيت عليهم السلام هم سادة الأنام، والرؤساء الحكام، ومن له الرئاسة والفضل، والعلو والأمر على جميع الخلق، وزيادة وجوب طاعتهم، والاتباع لهم في الإقدام والإحجام، ويدل على فضلهم أيضاً أخبار الوصية، وأخبر المودة، وأخبار العصمة، وأخبار كون الحق معهم، وأخبار العصمة لهم من النار، ولأتبعاهم وأخبار الشجرة، وأخبار الثقلين، وأخبار التزايد في العلم والحلم، وأخبار وجوب اصطناع المعروف إليهم، والآيات النازلة فيهم، وجعل الحكم معهم وعلى أيديهم، وبيان أنهم الهادون والسادة المطهرون، وأخبار شرف أصلهم، واختيار الله لهم من أشرف المناصب، وقد تقدم ذلك كله في صدر الكتاب بحمد الله، وإنما أردنا التنبيه عليه، ومثل حديث ليلة الإسراء، وقول العلي الأعلى: من خلفت على أمتك يا محمد؟ وقد تقدم، وافتخار علي عليه السلام بنسبه وقربه من الرسول ظاهر، نحو ما قدمناه من الآيات التي يقول فيها محمد النبي أخي وصهري، الآيات كلها، والعجب من الجبرية العمين، وسائر النواصب المفترين أنهم يرعون لمعاوية حق الصهورية لرسول الله صلى الله عليه وآله، ولا يرعون لأولاد النبي صلى الله عليه وآله حق القرابة، فإن هذا هو الحيف العظيم، والجهل الصميم، وأيضاً فيدل على فضلهم[91] أنهم خلقوا من نطفة أفضل الأنبياء، وخير الأوصياء، ومن الطاهرة المرضية فاطمة الزهراء، وحرم نكاح أمهم على غير أبيهم قبله وبعده بخلاف العالمين، وكان المزوج لها من أمير المؤمنين رب العالمين، والشهود هم الملائكة المقربون، والنثار من شجرة طوبا باللؤلؤ الرطب مع الدر الأخضر، مع الياقوت الأحمر، مع الدر الأبيض، والحور العين يلتقطن من ذلك، ومن الحلي والحلل، ويقلنَّ: هذا من نثار فاطمة بنت محمد عليه السلام، وقد قدمنا أحاديث نكاحها عليها السلام مفصلة، وفي تلك الأحاديث لفاطمة وعلي وأولادهما عليهما السلام ما يقضي لهم جميعاً بنهاية الفضل والزلف، وسامي العلو والشرف، وأنهم خيموا من العز في ساميات الغرف، إذ شرفهم عليهم السلام يتردد من الملك إلى الملك إلى الرسل، إلى الوصي إلى خير النساء، ولله القائل:
|
لم يبلغوا مدح النبي وآله |
قوم إذا ما بالمدائح فاهوا
رجل يقول إذا تحدث قال لي