وقوله: يقسم[80] بينهم قسمة الميراث للذكر مثل حظ الأنثيين فمخالف أيضاً لظاهر الكتاب العزيز، وعلى كل الوجهين هو مستحق لهم من جانب الميراث أولاً، للفظ القرآن أنه لهم؛ لأنهم أولوا القربى، والباقي بموافقة أبي حنيفة على قسمته للذكر مثل حظ الأنثيين، وإذا ثبت ذلك لم يبق إلا وجوب الميراث لهم عليهم السلام، ولا حجة لمن دفعهم عنه، ومنه أيضاً في تفسير قوله تعالى: {وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ} قال: عنى بذلك قرابة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وبالإسناد روى السدي عن الديلمي قال: قال علي بن الحسين عليهما السلام لرجل من أهل الشام: أقرأت القرآن؟ قال: نعم، قال: فما قرأت في سورة بني إسرائيل: {وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ} قال: وإنكم القرابة الذين أمر الله تعالى أن يؤتى حقه؟ قال: نعم.
ومن مناقب الفقيه ابن المغازلي وبالإسناد عن مجاهد، عن ابن عباس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ((لا تزول قدم العبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربعة: عن عمره فيم أفناه، وعن جسده فيم أبلاه، وعن ماله فيم أنفقه ومن أين اكتسبه، وعن حب أهل البيت)).
ومن الجمع بين الصحاح الستة لأبي الحسن رزين، وبالإسناد في تفسير سورة حم قوله تعالى: {قُلْ لاَ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى}.
قال ابن جبير: قربى آل محمد صلى الله عليه وعليهم أجمعين.
وبالإسناد عن طاوس أن ابن عباس رضي الله عنه سئل عن قوله تعالى: {إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى} فقال ابن جبير: قربى آل محمد صلى الله عليهم.
قال الإمام المنصور بالله عليه السلام: قد تظاهرت الأخبار، وتواترت الآثار، بوجوب محبة آل الرسول صلى الله عليه وآله وسلم تصريحاً وتعريضاً، وقد تقرر بالآثار من أهل البيت المطهرين من الأدناس، المفضلون على كافة الناس، وأنهم أهل الكساء صلوات الله عليهم، وعلى الطيب من ذريتهم، فما جاء في وجوب اتباع أهل البيت فهو عائد إليهم، ومقصور عليهم، وشاهد الحال ينطق بذلك فيهم؛ لأنهم أهل العلم والطهارة، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، باليد واللسان، والسبف والسنان، وعندهم علم كل غريبة، وفك كل مشكلة، قال تعالى: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ} وقد شهد لهم الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بأنهم لا يفارقون الكتاب ولا يفارقهم إلى ورود الحوض، وميزهم الله تعالى بآية التطهير، وفسرهم رسول الله صلى الله عليه وآله، وبين عدتهم بما تقدم من غير طريق لما سئل: من أهل بيتك؟ فقال: ((علي وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام)) وكل بيان غير تفسير الله تعالى تفسير غير معتد به، فثبتت مودتهم، وبثبوتها تثبت ولايتهم، وبثبوت ولايتهم يجب الاقتداء بهم، وإذا جعل الله لهم سبحانه وتعالى أجر رسول الله صلى الله عليه وآله من الأمة في السفارة بينه تعالى وبين خلقه، وأجر بذله لنفسه وتقريره بمهجته المودة في أهل بيته، صارت مودتهم واجبة، وإذا وجبت مودتهم وجبت طاعتهم، وإذا وجبت طاعتهم وجب اتباعهم[81] ويدل على وجوب ذلك قوله تعالى: {مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ} فوجبت طاعة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، ووجبت طاعتهم؛ لكونها أجر الإبلاغ، ولم تكن المودة أجر التبليغ إلا من حيث كانت النفس واحدة، فوجب لهم من فرض الطاعة ما وجب للرسول عليه السلام، ومعنى: إلا في قوله إلا المودة في القربى إنما هي بمعنى غير، ومعناها التفخيم لأمرهم، والتعظيم لهم عليهم السلام، كما قال الشاعر:
|
ولا عيب فيهم غير أن سيوفهم |
بهن فلول من قراع الكتائب