ولا أنا مغتاض بهم متبدل
ومما يدل على أن العترة هم أولاد النبي عليه السلام أن العترة في اللغة مأخوذة من العتيرة، وهي ضرب من النبات، فلماكان ولد الرجل وولد ولده في حكم ما نبت منه أجرى عليهم هذا الاسم، وهذا المعنى لا يؤخذ إلا في الأولاد دون سائر الأقارب، وقد نص على ذلك صاحب كتاب العين حكاية عن العرب فقال عنهم: عترة الرجل منهم ولده وولد ولده، وهذا دليل على أن العترة تستعمل حقيقة فيمن ذكرنا، وإن جاز استعمالها في غيرهم مجازاً، غير أنه يجب حمل كلام الرسول عليه السلام على الحقيقة مهما أمكن، وقد قال الناصر عليه السلام: إنما سماهم عترة؛ لأن الولد عند والده أطيب ريحاً من عترة المسك، ولهذا تقول العرب لولد الإنسان هو ريحانة أبيه وتفاحته، ولا شك أن عترة المسك أطيب من الريحانة، فسمى عليه السلام أولاده بأطيب الطيب، وجعل ذلك صفة لهم غير مشتركة، والناصر للحق عليه السلام ممن لا.............في اللغة العربية، فهذا من قبل اللغة، ثم لا خلاف بين الأمة أن ولد الرجل وولد ولده عترة له، ومن عداهم مختلف فيه، ولا دليل يدل على من عاداهم، فبقى على الأصل، وهو أن ذلك لا يستعمل حقيقة فيمن عداهم، ثم لا خلاف في أن من عداهم لا يكون قوله حجة، وقد بينا أن قول العترة حجة فصح ماقلناه، يزيد ذلك وضوحاً أن في الأخبار قرينة تدل على أن العترة هم علي وفاطمة، والحسن والحسين عليهم السلام، وهو قوله صلى الله عليه وآله: ((وعترتي أهل بيتي)) فإنه وصفهم بأنهم أهل بيته، وقد بينا أن أهل بيته من ذكرنا فيما تقدم من الأخيار في الكساء وغيره، ومن هذا الوجه دخل معهم علي عليه السلام، فيكون الإجماع لا يصح من دونه عليه السلام، وإلا فالعترة في اللغة ليسوا إلا الأولاد كما تقدم، وإنما[78] دخل عليه السلام في أهل البيت بما تقدم فيما شاكله من الأخبار الشاهدة بذلك، القاضية به من قول النبي صلى الله عليه وآله وتفسيره، وهي أخبار كثيرة متواترة على ذلك، وقال عليه السلام.
ومن مسند أحمد بن حنبل بالإسناد عن ابن عباس رضي الله عنه قال: لما نزلت: {قُلْ لاَ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى}[الشورى:23] قالوا: يا رسول الله من قرائبك الذين وجبت علينا مودتهم؟
قال: ((علي وفاطمة وابناهما عليهم السلام)).
ومن صحيح البخاري في تفسير قوله تعالى: {قُلْ لاَ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى} [الشورى:23] بالإسناد عن عبد الملك بن ميسرة سمعت طاوساً، عن ابن عباس رضي الله عنه أنه سئل عن قوله تعالى: {قُلْ لاَ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى}[الشورى:23] قال سعيد بن جبير: قربى آل محمد صلوات الله عليهم.
ومن صحيح مسلم في تفسير قوله تعالى: {قُلْ لاَ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى}[الشورى:23] قال: وسئل ابن عباس رضي الله عنه عن هذه الآية، قال ابن جبير: هي قربا آل محمد عليهم السلام.
ومن تفسير الثعلبي في قوله تعالى: {قُلْ لاَ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى} [الشورى:23] قال: اختلفوا في قرابة رسول الله صلى الله عليه وآله الذين أمر الله تعالى بمودتهم، فأخبرني الحسين بن محمد الثقفي العدل، ثم سرد الإسناد عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس رضي الله عنه لما نزلت: {قُلْ لاَ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى}[الشورى:23] قالوا: يا رسول الله، من قرابتك الذين وجبت علينا مودتهم؟ قال: ((علي وفاطمة وابنيهما صلوات الله عليهم وسلامه)).
قال: ودليل هذا التأويل ما حدثنا أبو منصور الحمشادي، حدثني أبو عبد الله الحافظ، أخبرني أبو بكر بن مالك، حدثنا محمد بن يونس، حدثنا عبد الله بن عائشة، حدثنا إسماعيل بن عمرو، عم عمر بن موسى، عن زيد بن علي بن الحسين، عن أبيه، عن جده، عن علي بن أبي طالب صلوات الله عليهم قال: شكوت إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حسد الناس لي، فقال: ((أما ترضى أن تكون رابع أربعة أول من يدخل الجنة أنا وأنت، والحسن والحسين، وأزواجنا عن أيماننا وعن شمائلنا، وذرياتنا من خلف أزواجنا، وشيعتنا من خلف ذريتنا)).
وبالإسناد عن السدي، عن أبي الديلمي قال: لما جيء بعلي بن الحسين صلوات الله عليه أسيراً فأقيم على درج دمشق، فقام رجل من أهل الشام فقال: الحمد لله الذي قتلكم واستأصلكم، وقطع قرب الفتنة، فقال له علي بن الحسين صلوات الله عليه: أقرأت القرآن؟