ومن مناقب ابن المغازلي بالإسناد عن عطية العوفي، عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: ((أوشك أن أدعا فأجيب، وإني قد تركت فيكم الثقلين كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض، وعترتي أهل بيتي إن اللطيف الخبير نبأني أنهما لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض، فانظروا ماذا تخلفوني فيهما)) ومن الجمع بين الصحاح الستة لرزين العبدي من الجزء الثالث من أجزاء أربعة من صحيح أبي داود السجستاني وهو كتاب السنن، ومن صحيح الترمذي عن زيد بن أرقم قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله: ((إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي، أحدهما أعظم  من الآخر وهو كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض، وعترتي أهل بيتي لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض، فانظروا كيف تخلفوني في عترتي)).

قال سفيان: أهل بيته هم ورثة علمه؛ لأنه لا يورث من الأنبياء إلا العلم، فهو كقول نوح صلى الله عليه وآله: {رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِي مُؤْمِناً} يزيد ذلك والعلماء من أهل بيته المقتدرون به، والعاملون بما جاء به، لهم فضلان، وقد شهد بطهارتهم الكتاب والسنة، فهم الذين يجب اتباعهم، ويحرم خلافهم، لارتفاع الشك في اتباعهم بيقين.

قال الإمام المنصور بالله رضوان الله عليه وسلامه: فهذا كما ترى أخبار متظاهرة بما روته العامة، ولم يتناكر فيه، ولا اختلفت معانيه، وقد كرر لفظ العترة وأهل البيت، وقد بينا من هم بدلالة الكتاب في آية التطهير وأحاديث الكساء، والبرد المتكررة المتظاهرة، إذ هم موضع الحجة على الأمة، لمكان العصمة، وإيجاب[76]الرجوع إليهم في المهمة، كما يرجع إلى الكتاب في الأدلة، وهذا نص صريح يأمر به النبي صلى الله عليه وآله وسلم كل من شملته كلمة الإسلام، فمن كان من المسلمين لزمه الاقتداء بالثقلين الكتاب والعترة، ولا يلزم أهل بيته الاقتداء بأحد؛ لأن الوصية بالتمسك بأهل بيته، والأمر بذلك لأمته، وهو أيضاً أمر باقتدائهما إلى آخر انقطاع التكليف؛ لأنه قيد التمسك بهما ما لابد، وجعل مدة اجتماعهما إلى ورود الحوض عليه صلى الله عليه وآله وسلم.

ومطلق الأمر قد اختلف فيه المتكلمون فذهب جميع الفقهاء وطائفة من المتكلمين إلى أن الأمر يقتضي إيجاب الفعل على المأمور به، وربما قالوا بوجوبه.

وقال آخرون: مطلق الأمر إذا كان من حكيم اقتضى كون المأمور به مندوباً إليه، وإنما يعلم الوجوب بدلالة زائدة، وذهب آخرون إلى وجوب الوقف في مطلق الأمر بين الإيجاب والندب، والرجوع إلى كل واحدٍ من الأمرين إلى دلالة غير الظاهر، أما على أن تركه قبيح فيعلم أنه واجب، أو يعلم أنه ليس بقبيح فيعلم أنه ندب، وهذا الأمر منه صلى الله عليه وآله بالتمسك بأهل بيته عليهم السلام لكل أهل الإسلام هو أيضاً واجب، يدل على وجوبه قبح تركه؛ لأنه عليه السلام قال: ((ما إن تمسكتم به لن تضلوا)) فجعل ترك التمسك بهما هو الضلال، فصار ترك هذا الأمر قبيحاً، فيعلم وجوبه بقبح تركه، وهو شهادة الصادق، وينفي الضلال مع أن الامتناع والاحتراز من الضلال واجب؛ لأنه دفع الضرر عن النفس، فوجب  بوجهي الوجوب من العقل والسمع فما لمعتل علة، فقد صار وجوب اتباع أهل البيت عليهم السلام المعصومين المفضلين على الأمة واجباً على جميع الوجوه على كل قول من قال الأمر على الوجوب، فقد ورد من قال لابد من دليل فقد حصل، ثم جعل ذلك مستمراً ممتداً بذكر الأبد في لفظ الخبر، وضرب له غاية ينتهي إليها، وهو قوله صلى الله عليه وآله: ((حتى يردا عليَّ الحوض)) فقد صار الخبر الوارد بإجماع كافة أهل الإسلام من قول النبي صلى الله عليه وآله: ((افترقت أمة أخي موسى إلى أحد وسبعين فرقة، منها قرقة ناجية والباقون في النار، وافترقت أمة أخي عيسى اثنتين وسبعين فرقة، منها فرقة ناجية والباقون في النار، وستفترق أمتي ثلاثاً وسبعين فرقة منها فرقة ناجية والباقون في النار)) بياناً عن الفرقة الناجية من أمته وهي التي تمسكت بالثقلين، وهما كتاب الله وعترة رسول الله صلى الله عليه وآله، بدليل النجاة، وترك التمسك بهما هو طريق الضلال، ويدل على صحة ما قلناه ما ذكره الثعلبي في تفسير قوله: {إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً} من سورة الأنعام.

قال الثعلبي: وقال زاذان أبو عمرو قال لي علي عليه السلام: يا أبا عمرو تدري كيف افترقت اليهود؟ قلت: الله ورسوله أعلم.

قال: افترقت على إحدى وسبعين فرقة كلها في الهاوية، إلا واحدة هي الناجية، أتدري على كم افترقت النصارى؟

قلت: الله ورسوله أعلم.

قال: افترقت على اثنتين وسبعين فرقة كلها في الهاوية إلا واحدة هي الناجية، ثم قال[77]: أتدري على كم تفترق هذه الأمة؟

قلت: الله ورسوله أعلم.

79 / 292
ع
En
A+
A-