وعنه صلى الله عليه وآله قال: ((إن الله عز وجل جعل أجري عليكم المودة في أهل بيتي، وإني سائلكم غداً فمخف لكم في المسألة)) فانظر كيف جعل الله مودتهم مستحقة إذ جعلوها أجراً، والأجر لا يكون إلا مستحقاً، ولا خلاف بين أهل الإسلام في أنه يجب تسليم الأجرة على الأجير، وقد قال صلى الله عليه وآله وسلم ((أعطوا الأجير أجرته قبل أن يجف عرقه)).
وعنه صلى الله عليه وآله أنه قال: ((إن الله تعالى فرض فرائض ففرضها في حال وخفف في حال، وفرض ولايتنا أهل البيت فلا يضعها في حال من الأحوال)).
وعنه صلى الله عليه وآله: ((استوصوا في أهل بيتي خيراً، فإني مخاصمكم عنهم ومن أكن خصمه خصمته)).
ومن كتاب الناصر للحق عليه السلام روى أبو سعيد الخدري قال: لما مرض رسول الله صلى الله عليه وآله مرضه الذي توفي فيه أخرجه علي والعباس يصلي، ثم وضعاه على المنبر فحمد الله[74] وأثنى عليه فقال: ((أيها الناس إني تارك فيكم الثقلين لن تعمى قلوبكم، ولن تزول أقدامكم، ولن تقصر أيديكم أبداً، ما أخذتم بهما كتاب الله سبب بينكم وبين الله فأحلوا حلاله، وحرموا حرامه)) قال فعظم من كتاب ما شاء أن يعظم ثم سكت، فقام عمر وقال: هذا أحدهما قد أعلمتنا به فاعلمنا بالآخر؟ فقال: (( إني لم أذكره إلا وأنا أريد أن أخبركم به غير أني أخذني الرفق فلم استطع أن أتكلم ألا وعترتي ألا وعترتي ألا وعترتي ثلاثاً، فوالله لا يبعث الله رجل يحبهم إلا أعطاه الله نوراً حتى يرد عليَّ يوم القيامة، ولا يبعث الله رجل يبغضهم إلا احتجب الله عنه يوم القيامة، ثم حملاه إلى فراشه محتضراً، وقد روي أن الضحاك سأل أبا سعيد الخدري عما اختلف فيه الناس بعد الرسول عليه السلام فقال: والله ما أدري ما الذي اختلفوا فيه، ولكني أحدثكم حديثاً سمعته أذناي، ووعاه قلبي فلن تخالجني فيه الظنون، إن النبي صلى الله عليه وآله خطبنا على منبره قبل موته في مرضه الذي توفي فيه لم يخطبنا بعده فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: ((أيها الناس إني تارك فيكم الثقلين ثم سكت، فقام إليه عمر بن الخطاب فقال: ما هذان الثقلان، فغضب رسول الله صلى الله عليه وآله حتى احمر وجهه وقال: ((ما ذكرتهما إلا وأنا أريد أن أخبركم بهما، ولكني أضرني وجع فامتنعت عن الكلام، أما أحدهما فهو الثقل الأكبر كتاب الله سبب بينكم وبين الله تعالى طرف بيده وطرف بأيديكم، والثقل الأصغر عترتي أهل بيتي علي وذريته، والله إن في أصلاب المشركين لمن هو أرضى من كثير منكم)) ورواية أسلافنا، وحفاظ أهل مذهبنا واسعة في هذا الباب، وكذلك ما يرويه غيرنا من ذلك أوسع مستفيض، ونحن نذكر منه ما رويناه عن الإمام المنصور بالله عليه السلام في كتاب الشافي، وهو يرويه عن كتبهم المشهورة.
قال عليه السلام: فصل في قوله عليه السلام: ((خلفت فيكم الثقلين)) وقوله: ((خلفت فيكم خليفتي)) من مسند بن حنبل بإسناد رفعه إلى علي بن ربيعة قال: لقد لقيت زيد بن أرقم وهو داخل على المختار وخارج من عنده فقلت له: سمعت من رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: ((إني تارك فيكم الثقلين)) قال: نعم، والإسناد عن أبي سعيد الخدري قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله: ((إني قد تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلو بعدي الثقلين: أحدهما أكبر من الآخر، كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض، وعترتي أهل بيتي، ألا وإنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض)).
قال ابن نمير: قال بعض أصحابنا عن الأعمش قال: انظروا كيف تخلفوني فيهما.
وبالإسناد عن زيد بن ثابت قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: ((إني تارك فيكم خليفتين كتاب الله حبل ممدود ما بين السماء والأرض، أو ما بين السماء والأرص وعترتي أهل بيتي إنهما لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض)).
ومن صحيح مسلم في الجزء الرابع منه من أحزاء ستة في آخر الكراس الثانية من أوله بالإسناد قال: حدثني زهير بن حرب وشجاع بن مخلد جميعاً عن ابن علية قال زهير حدثنا إسماعيل بن إبراهيم، قال حدثني أبو حباب، حدثني يزيد بن حيان قال: انطلقت أنا وحصين بن سبرة، وعمرو بن مسلم إلى زيد بن أرقم فلما جلسنا إليه[74]قال له حصين: لقد رأيت يا زيد خيراً كثيراً رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله، وسمعت حديثه وغزوت معه وصليت، لقد لقيت يا زيد خيراً كثيراً حدثنا يا زيد أسمعت من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟ قال: يا ابن أخي، والله لقد كبر سني، وقدم عهدي، ونسيت بعض الذي كنت أعي من رسول الله صلى الله عليه وآله فما حدثتكم فاقبلوه، وما لا فلا تكلفوا فيه، ثم قال: قام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فينا خطيباً بماء يدعا خماً بين مكة والمدينة، فحمد الله وأثنى عليه ووعظ وذكر، ثم قال: ((أما بعد، أيها الناس إنما أنا بشر أوشك أن يأتيني رسول ربي فأجيب، وإني تارك فيكم ثقلين، أولهما كتاب الله فيه النور فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به فحث على كتاب الله ورغب فيه، ثم قال: وأهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتتي، أذكركم الله في أهل بيتي)) فقال حصين: ومن أهل بيته يا زيد أليس نساؤه من أهل بيته؟ فقال: ليس نساؤه من أهل بيته، ولكن أهل بيته من حرم الصدقة عليه.
قال المنصور بالله عليه السلام: وقد ثبت أن الواجب اتباعهم أهل البيت هم أهل الكساء المطهرون، فزاد ناس المعاصي بشهادة الآية والخبر، بل الأخبار المتظاهرة من مسند ابن حنبل، ومن صحيح مسلم والبخاري، ومن كتاب الحميدي والصحاح الستة للغيدري، ومن تفسير الثعلبي في باب تفسير قوله تعالى: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً}[الأحزاب:33] أمن غير طريق وذكر عددهم، وهم علي وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام، وتفسير رسول الله صلى الله عليه وآله أولى من تفسير زيد وغيره من خلق الله جميعاً، ثم يزيده بياناً استفهام أم سلمة له من أهل بيته صلى الله عليه وآله ويقول: إنك من أزواج النبي وإنك إلى خير، فلم يذكرها في الجملة، ولفظة الأهلية أين وردت فالمراد بها الأربعة نفر الذين فسرهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ونطق به لفظ القرآن الكريم، إنهم أهل البيت، ولأن الرجل يموت أو يطلق فتلحق المرأة بأهلها، ويزيد ذلك بياناً ما ذكره الثعلبي في تفسيره، وهم الذين لم يفترقوا في الجاهلية والإسلام، ولم يوجد من لم يفترق قديماً ولا حديثاً سواهم صلى الله عليهم على كل حال وفي كل وقت، فهم خصوص العموم، وورثة العلوم، وجبال الحلوم، ويزيده بياناً أن زيداً الراوي فسر أهل البيت وهم في هذا الخبر الذي نذكره بعد هذا الخبر، وبالإسناد قال حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا محمد بن فضيل، وحدثنا إسحاق بن إبراهيم، حدثنا جرير كلاهما عن أبي حيان بهذا الإسناد، نحو حديث إسماعيل، وزاد في حديث جرير: كتاب الله فيه الهدى والنور، من استمسك به، وأخذ به كان على الهدى، ومن اخطأه ضل، وبالإسناد عن يزيد بن حيان، عن زيد بن أرقم قال: دخلنا عليه فقلنا له لقد صاحبت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وصليت حلفه، وساق الحديث، نحو حديث ابن حيان غير أنه قال: ((ألا وإني تارك فيكم ثقلين أحدهما كتاب الله هو حبل من الله من اتبعه كان على الهدى، ومن تركه كان على ضلالة)) وفيه فقلنا: من أهل بيته نساؤه؟ قال: لا، وأيم الله إن المرأة لتكون مع الرجل[75] لعصر ثم لدهر يطلقها فترجع إلى أهلها وقومها، أهل بيته أصله وعصبته، الذين حرم الصدقة علهيم، ومن تفسير الثعلبي من الجزء الثاني في تفسير سورة آل عمران في قوله تعالى: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُوا} وبالإسناد قال حدثنا الحسن بن محمد بن حبيب، قال وجدت في كتاب جدي بخطه قال حدثنا أحمد بن الأعجم القاضي المروزي، حدثنا الفضل بن موسى الشيباني، أخبرنا عبد الملك بن أبي سليمان، عن عطية العوفي، عن أبي سعيد الخدري، قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: ((أيها الناس إني قد تركت فيكم الثقلين خليفتين، إن أخذتم بهما لن تضلوا بعدي، أحدهما أكبر من الآخر، كتاب الله حبل ممدود ما بين السماء والأرض، أو قال إلى الأرض، وعترتي أهل بيتي ألا إنهما لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض)).
وروينا من تفسير الثعلبي وليس مما رويناه عن المنصور بالله؛ لأنه لم يذكره في تفسير قوله: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُوا} ورفعه إلى ابن ثعلب، عن جعفر بن محمد عليهما السلام قال: نحن حبل الله الذي قال الله تعالى: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُوا} ولنرجع إلى روايتنا عن المنصور بالله عليه السلام.