وأما قولنا: واستمع من القول النبي إلى آخر هذه الأيات المتقدمة فنريد بذلك ماروي عن رسول الله صلى الله عليه وآله أنه قال لجماعة من أصحابه يوم جعرانة: ((والذي بعثني بالحق نبياً لقد هبط عليَّ حبيبي جبريل في غير في غير موطن ولا موطنين، واعلمني أن أمتي يستخلفون من بعدي، ويولون عليهم من يعدي من لم يفرض الله طاعته في كتاب، ولا على لسان نبي، فإذا كان كذلك كان ترك حق[69] برفق الإسلام خيراً من أخذ حق...........الإسلام)).

فانظر أيها المسترشد ما دفع إليه عليه السلام من هذه الشدائد المذكورة في كلام رأس اليهود ومخاطبته، وما حكاه من أفعال القوم وأقوالهم بعد رسول الله صلى الله عليه وآله، فإنه عليه السلام ما زال محسوداً مظلوماً بالثأر في زمن الرسول صلى الله عليه وآله وبعده، وكان هو الصابر المحتسب في هذا وأمثاله من مقاسات الحروب، ومكافحة الأقران، ومنازلة الشجعان، وظلم من ظلمه حقه وابتزه ميراثه، ثم أصيب بموت رسول الله صلى الله عليه وآله، وموت فاطمة الزهراء، وقتل حمزة وجعفر عليهما السلام.

روى ابن  عباس رحمه الله تعالى أنه لما نعى إليه جعفر قال: إنا لله وإنا إليه راجعون، فأنزل الله: {الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ، أُوْلَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ} ومن معظم صبره أنه أصيب بموت رسول الله صلى الله عليه وآله أعظم من غيره، فصبر هنالك صبراً جميلاً كما حكى عن نفسه بأمانة الله وعهده، الذي حمله وهو ابن عمه وأخوه، وصهره وأبو عرسه، وأبو ولديه السبطين الحسن والحسين عليهما السلام، وانفتحت عليه الشدائد بعد موته، ورماه الناس عن قوس واحدة، إلا من وفقه الله وقليل ماهم، ولعظم مصابه وكونه وصيه، وأولى الخلق به حياً وميتاً جاء إليه الخضر عليه السلام معزياً له، ولأهل بيته دون سائر الصحابة، من غير منازعة في ذلك، فقال عليه السلام: هذا الخضر يعزيكم عنه، ولهذا اشتغل علي عليه السلام بتعزيته وجهازه، واشتغل القوم بالتنافس في الإمارة، ولم يزل عليه السلام كما ذكر صابراً على الأول والثاني والثالث لما ذكره من قلة الناصر، والخوف على الإسلام كما ذكر عليه السلام، ثم أفضى إليه الأمر وأفضى إليه أمور عظيمة، وشدائد كثيرة، واختلاف عظيم، وحرب أهل القبلة، فصبر على تمييز الحق من الباطل، ولا نعلم أحداً بعد الأنبياء عليهم السلام صبر مثل صبره، وهذا ما أردنا من ذكر صبره في الأبيات، فأخذ بذلك، وما أشبهه الحظ الأوفر من قول الله تعالى: {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ} فإذا كان هذا الذي قدمناه في كلامه لرأس اليهود، وفي التأسي بالأنبياء عليهم السلام مبيناً بذلك عذره وضعفه عن أخذ حقه مع الذي شفع ذلك من الخوف على الإسلام بسبب القوم هو وأمثاله، قول أمير المؤمنين، وسيد الوصيين في هؤلاء القوم، مضافاً إلى غيره من الحجج القاطعة من كتاب الله تعالى، وسنة رسوله، وإجماع العترة عليهم السلام، فجدير لكل عاقل مميز بين الحق والباطل أن يستدرك في أمره عليه السلام نفسه، ويذكر رمسه، ويخشى غداً وقوفه للسؤال، بين يدي ذي العزة والجلال، ويدع تقليد الأسلاف، وتمويهات الخلاف، فإن المتكلم في نقيض ذلك، معارض لله ولرسوله وللمؤمنين، ولتعلمن نبأه بعد حين[70]:

وانظر إلى أحوال الأربعة
كي تحصر الأمر لهم وتجمعه

 

اعتبر تلك البطون مجمعة
أي نبهم قل لنا الحق معه

أمن أبي بكر شموس الظلمة
أمن بني عثمان ياذا الهمة

 

أمن بني الخطاب سفن الأمة
أمن علي تجعل الأئمة

أهم اتيم أو عدي كلها
كالشمس تدفع حجتي بمثلها

74 / 292
ع
En
A+
A-