واعلم أرشدك الله أن خبر المنزلة تلقته الأمة بالقبول، ورواه أهل المذهب وهو جار مجري الأخبار المتعلقة بأصول الشريعة على مثل ما قدمناه في خبر الغدير، وما ذكرناه من كثرة الناقلين له يؤذن بأنه ظاهر مشهور، معلوم بالضرورة لمن سمع الأخبار، وبحث عن السير والآثار، وكثير من أئمة الهدى يذكر أن العلم به ضروري، وأيضاً فقد علمنا أن هذا الخبر قد ظهر واشتهر في وقت الصحابة والتابعين، واستمرت الحال في ظهوره في زمن بني أمية.
ثم كذلك إلى وقتنا هذا. وقد كان أمير المؤمنين عليه السلام يذكره في[6] مقاماته، وينبه الناس عليه، ويذكر العارفين به معرفته، ويحتج به على المخالفين له.
وقد ذكره في قصة الشورى واحتج به عليهم، وقصة الشورى معلومة مشهورة.
وقد احتج به متكلموا الشيعة على إمامته عليه السلام مرة، وعلى تفضيله مرة أخرى، وذلك منتشر في كتبهم وتصانيفهم، لا يمكن دفعه على كثرة المخالفين، وأرباب العداوة لأمير المؤمنين.
وما زال ظاهراً مشهوراً أيام كان يلعن أمير المؤمنين على المنابر مع أنه قد وقع الإكراه من بني أمية على إخفاء مناقبه، وكتمان محامده، وظهر بسبب ذلك من أعداء الله القتل لمن دان بذلك، والصلب والإحراق، فلا بد من سبب في ظهور هذا الخبر وانتشاره.
ولا يجوز أن يكون ذلك السبب هو اللهج بذكره؛ لأن الصوارف المذكورة تصرف عن نشر ذلك، بل لا يعقل وجه سوى أنه كان ظاهراً معلوماً في زمن الصحابة، فجرى مجرى ما ظهر من أمور الأنبياء عليهم السلام.
وما شاكل ذلك في الظهور من أمر الملوك، وغير ذلك مما يكون العلم به متواتراً، فإنما هذه حالة ن لا يمكن جحدانه، ولا يعقل في هذا الخبر إلا هذا الوجه.
هذا مع أن الأمة مجمعة على قبوله، وإنما اختلفوا في تأويله، والشيعة تحتج على الإمامة والمعتزلة، ومن طابقها تحتج به على الفضيلة، وقد أدخله في الصحاح أرباب الحديث، كما قدمنا ذلك، وقد ذكره قاضي القضاة، وقال: خبر المنزلة حمله شيوخنا على أنه منه بمنزلة الاستخلاف.
واحتج به أبو عبد الله على الفضل، واحتج به الجاحظ في كتاب الزيدية الكبرى على إمامته، ولا أحد من المخالفين رده بل ذكره، ولو وجد فيه أرباب النظر معمراً بالحجة لذكروه، فقد أمعنوا في إبطال إمامة غير أبي بكر بعد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، والشيعة تجادلهم به، فكان ذلك يدعوهم إلى الرد لو وجد إليه سبيلاً.
ولهذا لم يلتفتوا على ما ذكره أبو عثمان الجاحظ في كتاب العثمانية أن هذا الحديث رواه عامر بن سعد، وهو واحد ولو سمعنا من سعد لم تكن حجة في تأخر أبي بكر.