فانفذ لها تنج من الجحيم
إنما أراد بهذه الجملة التنبيه على ما ذكره عليه السلام في كتاب رأس اليهود مما يحقق لك منزلته وكرامته عند الله تعالى، وعند رسوله صلى الله عليه وآله، ويوضح لك استحقاقه للإمامة والوصية بعد الرسول عليه السلام {فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا} {وَمَا رَبُّكَ بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِيدِ} وكتاب رأس اليهود هو ما روى محمد بن علي بن الحسين صلوات الله عليهم، عن محمد بن الحنفية رحمة الله عليه أنه قال أتى رأس اليهود إلى أمير المؤمنين عليه السلام عند منصرفه من وقعة النهروان وهو جالس في مسجد الكوفة فقال: يا أمير المؤمنين إني أريد أن أسألك عن أشياء لا يعلمها إلا نبي أو وصي نبي، فإن شئت سألتك وإن شئت عفيتك، فقال أمير المؤمنين عليه السلام سل عما بدا لك، فقال اليهودي: إنا نجد في التوراة أو قال في الكتب أن الله تعالى إذا بعث نبياً أوحى إليه أن يتخذ من أهل بيته وصياً يقوم فيهم من بعده مقامة، ويعهد إليه بعده، ولا بد له من محن يمتحن بها في حياة النبي وبعد وفاته، فاخبرني كم يمتحن الأوصياء في حياة الأنبياء وكم يمتحنون بعد وفاته الأنبياء من مرة؟ وإلام يصير أمر الوصياء إذا رضى الله محبتهم؟
قال علي عليه السلام: فوا الله الذي[57] لا إله إلا هو، الذي فلق البحر لبني إسرائيل، وأنزل التوراة على موسى بن عمران، لئن أخبرتك بحق ما سالتني به لتقرن به؟
قال: نعم.
قال: فو الله الذي لا إله إلا هو لئن صدقتك لتسلمنَّ؟
قال: نعم.
قال له علي عليه السلام: إن الله تعالى يمتحن الأوصياء في حياة الأنبياء في سبعة مواطن ليبتلي طاعاتهم، فإذا رضي محبتهم أمر الأنبياء يتخذوهم أولياء في حياتهم، وأوصياء بعد وفاتهم، ثم يمتحن الأوصياء بعد وفاة الأنبياء في سبعة مواطن ليبتلي صبرهم، فإذا رضي محنتهم ختم لهم بالشهادة ليلحقهم بالأنبياء، وقد أكمل لهم السعادة، فقال له رأس: اليهود صدقت يا أمير المؤمنين، فأخبرني كم امتحنك الله في حياة محمد عليه السلام، وكم امتحنك بعد وفاة محمد من مرة؟ وإلام يصير أمرك؟ فأخذ علي عليه السلام بيده وقال: انهض يا أخا اليهود، فقام إليه جماعة من الناس فيهم ابن الكواء فقال: يا أمير المؤنين أنبئنا بذلك معه؟ فقال علي عليه السلام: إني أخاف ألا تحتمله قلوب كثير منكم، فقام إليه الأشتر رحمة الله عليه فقال: يا أمير المؤنين: أنبئنا بذلك معه، فوالله إنا لنعلم أنه ما على ظهر الأرض من وصي نبي سواك، وأن الله لا يبعث بعد نبيناً صلى الله عليه وآله نبياً سواه، وإنا لنعلم أن طاعتك في أعناقنا موصولة بطاعة نبينا صلى الله عليه وآله فجلس علي، وأقبل على اليهودي فقال: يا أخا اليهود إن الله سبحانه وتعالى امتحنني في حياة النبي صلى الله عليه وآله في سبعة مواطن، فوجدني فيهنَّ من غير تزكية لنفسي بنعمة الله مطيعاً، قال: فيم وفيم يا أمير المؤمنين؟
قال علي عليه السلام: أما أولهن فإن الله سبحانه وتعالى أوحى إلى نبيه صلى الله عليه وآله بالنبوة، وحمله الرسالة، وأنا أحدث أهل بيتي سناً أخدمه في بيته، وأسعى بين يديه في أمره، فدعا صغير بني عبد المطلب وكبيرهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، فامتنعوا من ذلك وأنكروه عليه، وعاجزوه ونابذوه، واعتزلوه واجتنبوه، وسائر الناس معصية له، وخلافاً عليه، لما أورده عليهم مما لا تحتمله قلوبهم، ولم تدركه عقولهم، فأجبت رسول الله صلى الله عليه وحدي إلى ما دعا إليه، مسرعاً مطيعاً مجيباً، لم يختلجني في ذلك الاختلاج، فمكثنا ثلاث حجج ليس على ظهر الأرض أحد يصلي لله، ويشهد لرسوله صلى الله عليه بما أتاه الله غيري وغير ابنة خويلد رحمها الله تعالى، وقد فعل، ثم أقبل على أصحابه فقال: أليس كذلك؟ فقالوا: بلى يا أمير المؤمنين.
فقال: وأما الثانية يا أخا اليهود فإن قريشاً لم تزل تحتل الآراء، وتعمل في الحيل في قتل رسول الله صلى الله عليه وآله بكل حيلة، وفي كل حال حتى كان آخر ما اجتمعت في ذلك يوماً بدار الندوة، وإبليس الملعون حاضرها في صورة أعور ثقيف، ولم تزل تقلب أمورها ظهوراً وبطوناً حتى اجتمعت أراؤها على أن تنتدب من كل فخذ من قريش رجلاً، يأخذ كل رجل منهم سيفاً، ثم يأتوا النبي صلى الله عليه وآله وهو نائم على فراشه فيضربوه بأسيافهم ضربة رجل واحد فيقتلوه، فإذا قتلوه منعت قريش رجالها، فلم تسلمها، ومضى دمه هدراً، فهبط جبريل عليه السلام إلى النبي صلى الله عليه وآله فأنبأه[58] بذلك، وأخبره الليلة التي يجتمعون فيها، والساعة التي يأتون فراشه فيها، وأمره بالخروج إلى الغار فأنبأني رسول صلى الله عليه وآله الخبر، وأمر أن اضطجع مضجعه، وأقبلت رجال من قريش بسيوفها موقنة في نفوسها بقتل رسول الله صلى الله عليه وآله، فلما استوى بي وبهم البيت الذي أنا فيه نهضت إليهم بسيفي فدفعتهم عن نفسي بما قد علمه الناس، ثم أقبل على أصحابه فقال: أليس كذلك؟