وأما قولي: أنا ذو النورين الأزهرين، لم يكن لفاطمة عليها السلام شبه في النساء، ولا يكون مثلها أبداً، ثم تزوجت[47] أمامة ابنة ابنة رسول الله صلى الله عليه وآله وهي ابنة أبي العاص.

وأما قولي: أنا أخوه ونجيه، وأنا أخوه الظاهر وأنا أخوه الباطن، وغيبة سره، ومشكاة في جهره، وابن عمه ووصيه، فمن كان منكم له بعض ما ذكرت أو شطر ما به نفسي وصفت ونعت، فوالله لولا أن لا تحمل القلوب مداد رجاء العلم بسرعة الهجر أخشى على القلوب أن تحير فتصدع، أو تروى فمتمنع، لأخرجت من بين جنبي علماً مخزوناً، وسراً مكنوناً، لا يبلغ عشر معشاره أوهام الظنون، ثم تنفس الصعداء، ثم أن متتابعاً، ثم قال: أواه مما يتلاطم في صدري، أواه مما يضطرب به فكري، لو قد وجدت صدراً وقوراً لأوقرته سروراً، ولبصرته بالنور إلى يوم النشور، ثم قال: يابن الكواء ألي تزجر بهمزاتك وإياي تخاطب بزجراتك، وأنا أعلم بك منك، أمسك على عذرك وتكلم على قدرك، فنحن أبناء الأنبياء أنبياء الله، وورثة حكمته، والتالون لكتابه، وخزائن علمه، والمؤتمنون على سره، فقام إليه عامر بن الكوا، فقال: يا أمير المؤمنين، صدق الله فيك إذ يقول: {وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ} فأذنك وعاء، وكنت أول مصدق إذا دعا، فأنت أول من لامته رعا، أتم بك الدين وأعز بك المسلمين، ما كان خطابي لك وتعرضي بك إلا إشفاقاً عليك، وتقرباً في الدين إليك، لئلا تنزل من منبرك فيكون بعد ذلك كلام فترميك أهل الجهل بالملام، فكان مقامي استبحاثاً لشرح ما به تكلمت، وبه نفسك وصفت، انكشافاً لغطاء أفئدة الجهال، وزيادة في معرفتك عند ذوي الأفضال، ولقد تيقنت ذلك قبل شرحك لي، أنك لا تنكل عن جواب، ولا تريع في خطاب، ثم نزل عن المنبر وانصرف.

وقد روى ابن حنبل في مسنده ما روينا بإسناده إلى عبد الله وهو ابن مسعود قال: كنا نتحدث أن أفضل أهل المدينة علي بن أبي طالب عليه السلام، وأنت أيها الطالب النجاة، والمقتفى سبيل الهداة، إذا تأملت هذه الأخبار التي انطوت على التشبيه لأمير المؤمنين، والتمثيل بينه وبين أنبياء الله المذكورين فيها سلام الله عليهم أجمعين، علمت أن من قدم عليه غيره من القوم، وعدل عن تقديمه، فإنما هو ممن اقتاده الهوى بزمامه، واكتنفه الغي من خلفه وأمامه، كيف يخفى وجه الصباح الطالع، أو يستر عن العيون السليمة القمر الساطع، لكن هاجت المحن، وظهرت ضماير الإحن، وتجلت ضغائن الصدور، وقفلت أمور الأمور، فالحمد لله الذي هدانا إلى سبيل النجاة، وجعلنا من سلالة المهتدين الهداة صلوات الله عليهم أجمعين.

وقد أتى إجماع أبناء النبي
من غير فصل عندهم قبل الوصي

 

إن الإمام بعده الهادي علي
فأي شك بعد ذا لا ينجلي

وقولهم حجة حق صادقة
وهكذا الأثار فيهم باسقة

 

إذ جاءت الآيات فيهم ناطقة
وهي بهم كما علمت لايقة

فهم شهود ربنا العدول
والقلان القوم والتنزيل

58 / 292
ع
En
A+
A-