وروي عن الرضى عليه السلام أنه قال: من زار قبر أمير المؤمنين عليه السلام فليصل عند رأسه ست ركعات، فإن قبره عظام آدم، وجسد نوح، وأمير المؤمنين. فمن زار أمير المؤمنين فقد زار آدم ونوحاً وأمير المؤمنين.
وعنه رضى الله عنه عن الصادق عليه السلام: إذا بعدت بأحدكم الشقة، ونأت به الدار فليصل ركعتين، وليوم بالسلام إلى قبورنا فإن ذلك يصل إلينا.
وروينا بالإسناد إلى الحاكم رضي الله عنه رواه عن جعفر بن محمد بإسناده عن النبي صلى الله عليه وآله قال لعلي عليه السلام: ((يا علي من زارني في حياتي وبعد وفاتي أو زارك في حياتك أو بعد موتك، أوزار بنيك في حياتهما أو بعد موتهما ضمنت له يوم القيامة أن أخلصه من أهوالها وشدائدها حتى أصيره معي في درجتي)).
فقتل أمير المؤمنين بسبب امرأة كما قتل يحيى بن زكريا عليهما السلام بسبب امرأة، وذلك أنه كان في زمن بني إسرائيل ملك في زمن يحيى بن زكريا، وكان لذلك الملك ابنة اسمها دثبل فهمت ابنة الملك بأن تتزوج أباها، وقالت: لو تزوجني أبي لاجتمع لي سلطانه دون النساء، فدعت أباها إلى نفسها، فقال أبوها: يا بنية إن يحيى بن زكريا لا يحل لنا هذا، فقالت: من لي بيحيى بن زكريا ضيق على أمري، وحال بيني وبين أبي، فأمرت الحجاب، فقالت: ادخلوا عليه وألعبوا بين يديه حتى إذا فرغتم منه فإنه سيحكمكم فإذا حكمكم فقولوا: دم يحيى بن زكريا، فدخلوا عليه ولعبوا بين يديه فلما كثر عجبه قال: سلوني، وكان الملك فيهم إذا حدث فكذب أو وعد فاخلف استبدلوا به وخلعوه، فقالوا: دم يحى، فقال: سلوني ويحكم غير هذا، فقالوا: لا نسألك غيره، فخاف على ملكه إن خالفهم، فبعث إلى يحيى عليه السلام وهو في محرابه فذبحوه في طشت وحمل إلى الملك ورأسه يقول: لا يحل لا يحل، فقال بعضهم: هب لي هذا الدم؟ فقال: إيش تصنع به؟ قال أطهر منه الأرض[43] فإنه ضيق علينا فقال: اعطوه، فأدخله بيتاً وأقفل الباب ففار الدم وخرج من تحت الباب، فأخرجه إلى فلاة، فجعل يفور حتى قتل على ذلك سبعون ألفاً ثم سكن، ففي هذه الأحاديث وما يشاكلها مما تقدم ومما سياتي ذكره بمشيئة الله تعالى في خطبة الفخار وغيرها، وكذلك ما تقدم من الآثار في ذكر ملكي علي عليه السلام، وأنهما ملكا يحيى بن زكريا عليه السلام، وذكر صحيفة علي عليه السلام، وأنه أشبه صحف أهل الأرض بصحيفة يحيى بن زكريا عليه السلام، وأعجب من هذا كله وأعظم منزلة قوله تعالى في آية المباهلة حيث قال: {وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ} فجعل نفس محمد سيد الأنبياء صلوات الله عليهم أجمعين ونفس علي عليه السلام شيئاً واحداً وذلك مصداق ما أتى في أخبار النور الذي خلقهما الله تعالى منه.
وفي ذلك نهاية الفضل على ما تقدم بيان ذلك مفصلاً.
وأما خطبه الفخار وهي ما روي عن جابر بن عبد الله عن أبي الحسن أحمد بن عبد الله البكري قال: لما رجع أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام من قتال أهل النهروان خطب الناس بكوفان فرقى المنبر وهو أسف غضبان فأثقل المنبر، وكان مما زجر به الأسماع فأوقرها، والقلوب فعمرها، والعقول فأنفرها، أن ابتدء بالثناء على رب العالمين والصلاة على ابن عمه محمد خاتم النبيين، ثم صرخ بالناس صرخة راعي ضان مالت غنمه من المرعى وصرخ ليجمعها، وزجرها ليسمعها، فقال: أرعاع القبائل وخطبا الجحافل، ونطقا المحافل، اخلوا الآذان لما مني تسمعون، وإن كنتم لذلك لا تعقلون، فمن عرف شرح مقالي، وإلا فلا يمنعه العي من سؤالي. ياأيتها الأنفس الوامقة، والآذان الرامقة، والقلوب الواهلة، أنا حجة الله في البلاد، وعصمة الله في العباد، وسيف الله على الأعادي، وأنا لكم يوم القيامة واقف بالمرصاد، وأنا باب العلم ومحل الحلم، ووعاء الفهم، وسفينة نوح وحجة هود وناقة ثمود، وكلمة إبراهيم وصبر إسماعيل، وجنة إلياس، وشرب الخضر، وعصى موسى ومقام هارون، وعديل يوشع بن نون، ودرع داود وخاتم سليمان، وطهر أيوب، وكفالة زكريا، ونسك يحيى، وقرين المسيح، وأنا أول الأبرار، وإمام الأخيار، وقسيم الجنة والنار، وأنا دابة الأرض ذات الحق في الفرض، وأنا الصديق الأكبر، والفاروق الأجهر، وأنا ذوا النورين الأزهر، أنا أخو رسول الله صلى الله عليه وآله ونجيه، وابن عمه ووصيه، لا يقولها بعدي إلا فاجر متعدي، أو كاذب ردي، قال: فنهض عامر بن الكواء أخو عبد الله، وكان رأس السراة ثم تابا وأنابا، فقال: يا أمير المؤمنين، أجشت بحرك بإعلان أمرك بما ذكرت، فادخلت على القلوب ما أوغرت به الصدور، من نكرات الأمور، فإما بيان منك على ما ذكرت، وبرهان بما به نفسك وصفت، من شيم المؤمنين ودرجات الصديقين، وإن يكن ذلك منك لنا طارق مسكت، أو دليل مبهت، أو جواب مبكت، تخرس به الألسن[44] عن مطالبتك، وألهمم عن مطالعتك، فلقد تسربلت بجسيم، وتدرعت من قولك بعظيم، مقال ما نطق به سواك، يدريه هواك واشتغل به نجواك، فقام إليه عمرو بن الحمق، وحجر بن عدي، وصعصعة بن صوحان، وأزرق بن صفوان، كل يناديه زاجراً ويسكته نهراً.
فقال أمير المؤمنين عليه السلام: دعوه اكشف له عن شكه، وأنقذه من هلكه، فجلس من كان قائماً إلا عامر بن الكواء، فقال أمير المؤمنين عليه السلام: أما قولي أنا حجة الله في البلاد، وعصمة الله في العباد، وسيف الله على الأعادي، وأنا لكم يوم القيامة بالمرصاد، فناشدت الله منكم من سمع رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: ((من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وآل من والاه وعاد من عاده، وانصر من نصره واخذل من خذله)).
فقام إليه جابر بن عبد الله، وزيد بن أرقم، وزهاء على اثنا عشر رجلاً من المهاجرين والأنصار كل يقول: أنا سمعت ذلك من رسول الله صلى الله عليه وآله، فقال عليه السلام: اللهم اشهد أني حجة الله عليهم، ووديعتك لديهم، فأي حجة أوكد لكم من حجتي وأنقذك لكم من عصمتي.
وأما قولي: أنا باب العلم فإنكم تشهدون ولا تنكرون قول النبي صلى الله عليه وآله: ((أنا مدينة العلم وعلي بابها فمن أراد المدينة فليأتها من بابها)) ثم قال: ((علي أقضاكم)) تشهدون بذلك على قول رسول الله صلى الله عليه وآله، ففي القضاء والعلم والفهم والجزم.
وأما قولي: أنا سفينة نوح: فلقول رسول الله صلى الله عليه وآله: ((مثل أهل بتي فيكم كسفينة نوح من ركبها نجا، ومن تخلف عنها غرق وهوى)) وأنا تاج أهله، والمشتمل لفضله، والوارث لعلمه، هل تعلمون ذلك؟