قال لها: ويحك أما قتل علي فلا طاقة لنا به، ولا أقدر عليه.

قالت: فاضربه لنا ضربة واحدة، إن عاش منه عاش، وإن مات منها مات.

وحمله على ذلك الهوى الغالب، وجعل الشيطان يحرضه على ذلك، فقال لها: لك ذلك، فافترقا على هذه الشريطة، قالت له: فادفع إلىَّ سيفك فدفعه إليها فاشترت له سماً بثمانمائة مثقال، وكان ذلك في عشرة خلون من شهر رمضان، فلما مضى من شهر رمضان ثمانية عشرة يوماً أرسلت قطام لعبد الرحمن فاستتر في طريقه عن الناس، حتى دخل منزلها، وقد هيئات له طعاماً وشراباً، ودعت الجواري، وجعلنَّ يضربنَّ بالمعازف، ثم نزعت عنها ثياباً كانت عليها، ولبست ثياباً رقاقاً ثم استخرجت له السيف من السم وعصبته بعصابة، ثم قالت: يا أخا مراد إن علي بن أبي طالب فارس بطل شجاع، لا يظفر به أحد، ولا يبرز إليه فيطمع فيه، فإن أنت لم تعتد له في ظلمة هذا الليل وإلا لم تقدر عليه، فقم فاقضي حاجتنا ترجع قرير العين مسروراً، قال: لا بل والله ارجع سخين .........مثبوراً، فأخذ السيف تحت ثوبه ثم بكى حتى وقع  النصل من يده، فقالت ما هذا الجزع يا أخا مراد؟ فقال لها: ويحك أقدم على أمير المؤمنين فاضربه بالسيف فلا أجزع، ثم أخذ السيف ومضى إلى جامع الكوفة، وذلك في ليلة تسع عشر من رمضان، فكمن لعلي عليه السلام في بعض طاقات المسجد، وقيل: على باب المسجد، وكان علي عليه السلام لا يقدم على الأذان أحد لما سمع فيه من الفضل، فلما كان وقت الأذان خرج عليه السلام إلى صحن الدار ليلتها إلى صلاته، فطار في وجهه وز كان قد أهدى له. فقال صلى الله عليه: صوايح تتبعها نوايح. فقال ابنه الحسن: يا أبه، أليس قال جدي: ((ليس منا من تطير ولا من تطير له، ولا من تكهن ولا من تكهن له))؟ فقال: يا بني ما تطيرت، ولكن عهداً عهده إليَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فتهيأ فخرج يريد فتح الباب فعسر عليه حتى انحل مئزره، فقلع الباب ورمى به فأخذ يتزر وهو يقول:

اشدد حيازيمك للموت
ولا تجزع من الموت

 

فإن الموت لا قيكا
إذا حل بواديكا

ثم مضى إلى المسجد وهو يقول[41]:

خلوا سبيل المؤمن المجاهد

 

في الله لا يعبد غير الواحد

50 / 292
ع
En
A+
A-