ومثل ذلك ما روت أم سلمة قالت: أقبل نفر على رسول الله صلى الله عليه وآله فقال الأول: يا محمد زعمت أنك خير من إبراهيم وهو تعالى اتخذه خليلاً فأي شيء اتخذك؟ قال: ((اتخذني صفياً، والصفي أقرب من الخليل)) فقال الثاني: زعمت أنك خير من موسى عليه السلام وقد كلم الله موسى تكليماً، قال: ((ويلك كلم الله موسى في الأرض وأنا كلمني تحت سرادق عرشه)) فقال الثالث: تزعم أنك خير من عيسى وكان يحيى الموتى فأنت متى أحييت؟[39] قال: فغضب وصفق بيديه وقال: ((يا علي، فإذا علي عليه السلام مشتمل بشملة له وهو يقول: لبيك لبيك يا رسول الله فقال له: من أين، قال: كنت في بستان إذ سمعت صوتك وتصفيقك فقال: ادن مني فوالذي نفس محمد بيده ما ألقى الصوت في مسامعك إلا جبريل، فدنى علي عليه السلام من رسول الله صلى الله عليه وآله ثم كلمه بكلمات لم أسمعها ثم قال: قم يا حبيبي والبس قميصي هذا وانطلق بهم إلى قبر يوسف بن كعب فاحيه لهم بإذن محي الموتى)).

قالت أم سلمة: فخرجوا أربعة معاً وأقبلت أنا معهم حتى انتهى بهم إلى بقيع الغرقد إلى قبر دارس، فدنى منه وتكلم بكلمات، فتصدع القبر ثم أمره ثانية فتصدع، ثم أمره ثالثة فتصدع، فقال: قم بإذن محي الموتى، فإذا شيخ ينفض التراب عن رأسه ولحيته وهو يقول: يا أرحم الراحمين، ثم التفت إلى القوم كأنه عارف بهم ثم قال: ويلكم اكفر بعد إيمان، أنا يوسف بن كعب صاحب أصحاب الأخدود، أماتني الله منذ ثلاثمائة سنة وستين عاماً حتى الساعة، ثم هتف بي هاتف فقال: قم صدق سيد ولد آدم محمد فقد كُذب. فقال: بعضهم لبعض ارجع بنا لا تعلم بنا صبية قريش فيرجمونا بالحجارة، وناشدوا علياً إلا رددته فتكلم بكلام لا أفهمه، فإذا الرجل قد رجع إلى قبره، وسوى عليه التراب، ورجع يعني علياً عليه السلام، ورجعت إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فكلمه عليه السلام هذا الميت أيضاً كما كان مثل ذلك لعيسى عليه السلام، واختصه رسول الله صلى الله عليه وآله بتعليمه الكلمات، وإلباسه قميصه، وجعل هذه المعجزة على يديه دون غيره من جميع الخلق.

ومثل ذلك أنه غلا في محبته وبغضه فرقتان فقال: من أحبه هو الله، تعالى الله عن ذلك. وقال من أبغضه فيه قولاً فضيعاً حتى رفضوا محبته، وجحدوا فضله وحاربوه كما كان في المسيح عليه السلام، والذين غلوا كالذين ذكرنا أنه حرقهم وقتلهم ومن أشبههم، والذين رفضوه وأبغضوه فهم كثرة أيضاً كالذين لعنوه على المنابر سبعين سنة، ومن حذا حذوهم لعنهم الله لعناً وبيلاً.

ومثل ذلك أنه عليه السلام قتل في الليلة التي رفع فيها عيسى بن مريم عليه السلام.

ولما مات عليه السلام صعد الحسن بن علي عليهما السلام المنبر فخطب خطبة بليغة، فكان مما قال: ولقد قبض في الليلة التي قبض فيها يوشع بن نون، والليلة التي رفع فيها عيسى، والليلة التي أنزل فيها القرآن.

ومثل ذلك أنه عليه السلام قتل بسبب امرأة وهي قطام بنت الأصبع، وسبب ذلك أنه رآها عبد الرحمن بن ملجم المرادي لعنه الله، وكانت ذات حسن وجمال فشغف بها حباً، وأعجبه حسنها وبهاؤها، فخطبها إلى نفسها، فأبت إلا أن يبذل لها ثلاثة آلاف وعبداً وقينة، وقتل علي عليه السلام، وقد كانت واعدته إلى منزلها فلما أدخلته قالت: لجواريها: هلموا إليَّ ثيابي الرقاق، فأتى بها فلبستها فأخذت زينتها وقعدت في مفرشها، وقالت لجواريها: إذا دخل المرادي فإذا هو نظر إلي وملأ عينيه مني فالقول الحجاب فيما بيني وبينه حتى يكون ذلك أشد لشوقه، فلما أتاها[40] في منزلها ونظر إليها في ذلك الذي لم يرها قبل ذلك فيه أزداد شوقاً إلى ما كان في قلبه، ثم قال لها: يا جارية ما صنعت في الأمر الذي كان بيننا؟

قالت: يا أخا مرادي إن قومي أبو أن ينكحوني إلا على ثلاثة آلاف وعبد وقينية، وقتل علي بالحسام المسمم.

قال لها: ويلك، وما الذي جئت به هل رأيت حبيباً يقتل حبيبه، هل رأيت عبداً يقتل سيده، هل رأيت خليلاً يقتل خليله، ويحك من يصل إلى قتل أمير المؤمنين  علي بن أبي طالب، وهو صاحب لواء رسول الله صلى الله عليه وآله، وقاتل الأقران ومبيد الشجعان، ومشتت الآلاف.

أما علمت أنه ضراب القلل، هزام الجيوش، أما علمت أنه صاحب عتبة وشيبة والوليد، وعمرو بن عبدود، ويحك من يقتل أمير المؤمنين وجبريل عن يمينه وميكائيل عن شماله، والملائكة يحفونه بأجمعهم.

قالت: يا أخا مراد ما لنا في المال من حاجة إلا قتل علي وحده، وكانت من الخوارج قتل جماعة من قومها.

49 / 292
ع
En
A+
A-