وأما قولكم: إني كنت وصياً فضيعت الوصية فإن الله تعالى قال في كتابه: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً} ولو ترك الحج من استطاع إليه سبيلا كفر، ولم يكن البيت ليكفر ولو ترك الناس لا يأتونه، ولكن كان يكفر من يستطيع إليه السبيل ولا يأتيه، وكذلك أنا إن أكن وصياً فأنتم كفرتم بي، لا أنا كفرت بكم وبما تركتموني، قالوا: صدقت وهذه بحجتنا هذه.
وأما قولكم: إن ابن عباس جاء يرفل في حلة حسنة يدعوكم إلى ما يدعوكم إليه فقد رأيت أحسن منها على رسول الله صلى الله عليه وآله يوم حرب، فرجع إليه من الخوارج أكثر من أربعة آلاف، وثبت على قتاله أربعة آلاف، وأقبلوا يحكمون فقال علي عليه السلام: حكم الله أنتظر فيكم يا هؤلاء، أيكم قتل خباب بن الأرت وزوجته وابنه يظهر لي قتله به، وانصرف عهداً إلى مدة حكم الله تعالى أنتظر فيكم، فنادوا اللهم كلنا قتل خباب بن الأرت وزوجته وابنه، وأشرك في دمائهم، فناداهم أمير المؤمنين: اظهروا لي كتاباً وشافهوني بذلك فإني أكره أن يقر به بعضكم في الضوضاء، ولا يقر بعض ولا أعرف ذلك في الضوضاء، ولا استحل قتل من لم يقر بقتل من أقر لكم الأمان، حتى ترجعوا إلى مرادكم كما كنتم، ففعلوا وجعلوا كلما جاءت كتيبة سألهم عن ذلك فإذا أقروا عزلهم ذات اليمين حتى أتى على آخرهم.
ثم قال: ارجعوا إلى مرادكم، فلما رجعوا ناداهم ثلاث مرات رجعتم كما كنتم قبل الأمان من صفوفكم، فنادوا كلهم نعم، فالتفت إلى الناس وقال: الله أكير لو أقر بقتلهم أهل الدنيا وأقدر على قتلهم لقتلتهم، ثم شد عليهم مرة بعد مرة فرجع بسيفه يسويه على ركبتيه من اعوجاجه، ثم شد الناس عليهم فقتلوهم فلم ينج منهم تمام عشرة فقال: ائتوني بذي الثدية فإنه في القوم. فقلب الناس القتلى فلم يقدروا عليه، فأتى فأخبر بذلك فقال الله اكبر والله ما كذبت ولا كذت وإنه لفي القوم. ثم قال: ائتوني بالبغلة فإنها هادية فركبها ثم انطلق حتى أتى على قليب، ثم قال: قلبوا فقلبوا سبعة من القتلى فوجدوه ثامنهم. فقال: الله اكبر هذا ذو الثدية الذي أخبرني رسول الله صلى الله عليه وآله أنه يقتل مع شرحبيل، ثم قال: تفرقوا فلم يقاتل معه الذين كانوا اعتزلوا عنه كانوا وقوفاً على حده.
وقد كان علي عليه السلام قال لأصحابه: أنه لا يقتل منكم عشرة، ولا ينجوا منهم عشرة، فكان الأمر كما قال عليه السلام.
وروي أنه لما أتوا به خرَّ ساجداً ومن معه من المسلمين.
ومن مسند ابن حنبل رفعه إلى أبي الوصي قال: شهدت علياً عليه السلام حيث قتل أهل النهروان، قال التمسوا المخرج فطلبوه من القتلى، فقالوا: ليس بخده، فقال: ارجعوا فالتمسوه فوالله ما كذبت ولا كذبت فرجعوا والتمسوه فردد ذلك مراراً، كل ذلك يحلف بالله ما كذبت ولا كذبت، فانطلقوا فوجدوه تحت القتلى في طين فاستخرجوه فجيئ به، فقال[36] أبو الوصي: فإني أنظر إليه حبشياً عليه ثديان إحدى ثديه مثل ثدي المرأة، عليه شعرات تكون على ذنب اليربوع.
ومنه أيضاً رفعه يزيد بن أبي صالح أن أبا الوصي عباداً حدثه قال: كنا عائدين إلى الكوفة مع علي بن أبي طالب عليه السلام، فذكر حديث المخرج، قال: والله ما كذبت ولا كذبت ثلاثاً، فقال علي عليه السلام: أما إن خليلي أخبرني أنهم ثلاثة إخوة من الجن هذا أكبرهم، والثاني له جمع كثير والثالث: فيه ضعف.
روينا ذلك كله فانظر أيها الساعي في فكاك رهنه، والمرتاد لسلامته وأمنه، إلى هذه المقامات لأمير المؤمنين عليه السلام المشهورة، والأخبار فيه المأثورة، والأعمال منه المبرورة، وفي هذا الجهاد العظيم بالنفس، الذي لا يبلغ إلى غايته أولئك القوم ولا غيرهم، إنما هي بطشة إلهية، ودعوة نبوية، وعزيمة، علوية وأفعال مرضية، هل يستطيعها إلا من له الإمامة والوصية:
|
واذكر أحاديث من الأمثال |