هؤلاء هم المارقون لعنهم الله تعالى روينا عن أمير المؤمنين علي عليه السلام أنه قال في بعض خطبه: حدثني خليلي أني سأقاتل الناكثين والقاسطين والمارقين، وأن المارقين ملعونون على لسان داود وعيسى بن مريم.

وروينا عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى عليه وآله أنه قال: ((تكون فرقة من طائفتين من أمتي تمرق منها مارقة يقتلها أولى الطائفتين بالحق)).

وعن حميد بن هلال قال: أقبل رجلان من أهل الحجاز حتى قدما العراق، فقيل لهما: ما أقدمكما؟ قال: رجونا أن ندرك هؤلاء القوم الذين ذكرهم لنا رسول الله صلى عليه وآله فوجدنا ابن أبي طالب قد سبقنا إليهم. يعنيان أهل النهروان.

وروينا عن أبي سلمة عن عبد الرحمن قال: قلت: لأبي سعيد: هل سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول في هؤلاء القوم شيئاً -يعني الخوارج-؟

قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يذكر قوماً يتعمقون في الدين، يحقر أحدهم صلاته عند صلاتهم وصومه عند صومهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية.

وروينا عن زيد بن وهب وكان في جيش علي يوم النهروان قال: سمعت علياً عليه السلام يقول: أيها الناس إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: ((يخرج من أمتي قوم يقروؤن القرآن ليست قرأتكم إلى قرأتهم بشيئ، ولا صلاتكم إلى صلاتهم بشيء، ولا صيامكم إلى صيامهم بشيء، يقرؤون القرآن لا تجاوز صلاتهم تراقيهم، يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية)) لم يعمل الجيش الذين يصيبونهم ما قضى الله لهم على لسان نبيهم لكلوا عن العمل، وآية أن فيهم رجلاً له عضد وليس له ذراع على عضده مثل حلمة ثدي المرأة، عليها شعرات بيض، وقيل كشعر الخنزير، وهؤلاء هم الذين قدمنا ذكرهم الآن حيث سألوا التوبة من أمير المؤمنين عليه السلام، واعتقدوا كفره وكفرهم، وأنه امتنع وكان من حديثهم أنه خرج أثناء عشر ألفاً من العراقيين[32] ورئيسهم شبيب بن ربعي وعبد الله بن الكواء، وعبد الله بن أبي أوفى، ووهب الراسبي أصحاب الصفوف والبرانس، فأرسل علي عليه السلام إليهم أبا أيوب الأنصاري، وصعصعة بن صوحان، ثم سار إليهم بنفسه في اليوم الثالث، واحتج عليهم فندموا على ذلك وانصرفوا إلى الكوفة، وأجمع أمير المؤمنين عليه السلام إلى المسير بالشام، فوافقوا على ذلك، فجمع من الحجاز والبصرة ونواحيها أربعين ألفاً، وأنفذ على مقدمته قيس بن سعد بن عبادة  في ستة آلاف، فمضى إلى أرض الجزيرة، وسار أمير المؤمنين حتى نزل أرض مسكن، فلما كان في بعض الطريق من الليل خرج من الكوفة والبصرة سبعة آلاف وقيل ثمانية آلاف رجل، فأغاروا وقتلوا عبد الله بن خباب بن الأرت والي المدائن، وأم ولده وولد له صغير، ورجلاً من بني أسد كان يحمل الميرة إلى عسكر علي عليه السلام، فقيل لعلي: كيف تخرج وعدونا في مكاننا يغير علينا، فانصرفوا وانصرف أمير المؤمنين إلى الكوفة، ومضى الخوارج إلى شهرزور ونواحيها، يغيرون ويقتلون ويسبون، ورئيسهم من أهل الكوفة عبد الله بن وهب وزيد بن حصين، ومن أهل البصرة مسفر بن فدكي، والمستورد بن علقمة، فسار إليهم علي عليه السلام مع قيس بن سعد، وسهل بن حنيف، ومعقل بن قيس، وشريح بن هاني، ومالك بن الأشتر في زها عشرة آلاف حتى انتهى إلى النهروان في عسكره، فوجد القوم قد تجردوا للقتال واستقبلوه بصدور الرماح، فنادى أمير المؤمنين عليه السلام قنبر فقال: يا قنبر ناد القوم ما نقمتم على أمير المؤمنين، ألم يعدل في قسمتكم، ويقسط في حكمكم، ويرحم مسترحمكم، لم يتخذ أموالكم دولاً، ولم يأخذ منكم إلا السهمين الذين جعلهما الله سهماً في الخاصة وسهماً في العامة، فقالت الخوارج: يا قنبر مولاك رجل جدل وهو رجل خصم، وقد قال تعالى: {بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ} وهو منهم، وقد ردنا بكلامه الحلو في غير موطن، وجعلوا يقولون: والله لا نرجع حتى يحكم الله بيننا وهو خير الحاكمين.

فقال علي عليه السلام: يابن عباس انهض إلى القوم فادعهم بمثل الذي دعاهم قنبر، فإني أرجوا أن يجيبوك، فقال ابن عباس: يا أمير المؤمنين ألقى علي حلتي، وألبس علي سلاحي فإني أخافهم على نفسي، فقال: بلى، فانهض إليهم في خيلك :

فمن أي يوميك من الموت تفر

 

يوم لا يقدر أو يوم قد قدر

43 / 292
ع
En
A+
A-