وكان ابن عباس يغيظ أبا موسى ويقول: إنما هو عمرو فلا تغترن بقوله، فقال عمرو: يا أبا موسى كنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وأبا بكر وعمر نجاهد ونقاتل[30] المشركين، واليوم كما ترى وبكا، ثم نال من معاوية أنه لا يرضى بشيء من فعله، فقال أبو موسى: وأنا كذلك لا أرضى بعلي وذمه، وجعل ابن عباس يستقره ما يجري بينهما، ويكتمه أبو موسى، ثم إن أبو موسى أتى عمراً واستخبره ما يريد، فقال: إن شئت أحيينا سنة عمر، فقال: إن كنت تريد أن تبايع لابنه فما يمنعك من ابني، فقال: إنه رجل صدق، ولكنك غمسته في الفتنة. قال: صدقت، واتفقا على أن يخلعا علياً ويجعلا الأمر في عبد الله بن عمرو، وبذلك خدع عمرو أبا موسى، ثم أقبلا على الناس وهم مجتمعون، وقال له عمرو: اصعد واتكلم وقد كان ابن عباس قال له: قدم عمرواً قبلك ثم تكلم بعده فإنه رجل غدار، فصعد أبو موسى المنبر بين العسكرين، فقال: أشهدوا أني قد خلعت علياً ونزع خاتمه وقال: كما ترون خلعت هذا الخاتم. ثم صعد عمرو: فحمد الله وأثنا عليه وقال: سمعتم خلعه صاحبه وقد خلعته أنا وبيده خاتم. فقال: وأثبت صاحبي كما أثبت الخاتم في أصبعي هذه وأدخله في أصبعه.

فقال أبو موسى: لا وفقك الله غدرت وخنت، مثلك كمثل الكلب إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث.

وقال عمرو: ومثلك كمثل الحمار يحمل أسفاراً، والتمس أصحاب علي عليه السلام أبا موسى فركب ناقته ولحق بمكة، فكان بن عباس يقول: قبح الله أبا موسى قد حذرته فما عقل، وكان أبا موسى يقول: قد حذرني ابن عباس غدرة الفاسق. وقال بعض أصحاب أمير المؤمنين عليه السلام في ذلك قصيدة أولها:

لعمرك لا ألقى مدى الدهر خالعاً

 

علياً يقول الأشعري ولا عمرو

 وقال بعضهم:

لو كان للقوم رأي يعصمون به
لله در أبيه أيما رجل
لكن رموكم بشيخ من ذوي يمن

 

عند الخطاب رموكم بابن عباس
ما مثله لقضاء الحكم في الناس
لم يدر ما ضرب أخماس لأسداس

41 / 292
ع
En
A+
A-