وأخذ الأشتر رحمه الله فيما بين الميمنة فاجتلدوا بالسيوف وعمد الحديد من صلاة الغداة إلى نصف الليل، لم يصلوا لله صلاة، فلم يزل يفعل ذلك الأشتر بالناس حتى أصبح من المجالدة وهي ليلة الهرير، وقتل فيها أمير المؤمنين عليه السلام ستمائة قتيل بستمائة ضربة يكبر مع كل ضربة تكبيرة، وهذا روايتنا عن غير السيد أبي العباس.
وكان عليه السلام إذا علا قد وإذا وسط قط.
قال السيد أبو العباس: قال نصر عن عمر بن سعد عن عمارة، عن أبي ربيعة: مربي والله الأشتر فأقبلت معه فقال: شدوا فداكم عمي وخالي شدة ترضون الله بها وتعزون الدين، ثم شد بالقوم حتى انتهى بهم إلى عسكرهم، ثم قاتلوا عند العسكر قتالاً شديداً وأخذ علي عليه السلام لما رأى الظفر قد جاء من قبله يمده بالرجال وجعل علي عليه السلام يقول: لم يبق منهم إلا آخر نفس[28] فدعى معاوية عمرو بن العاص فقال: ما ترى. فقال: إن رجالك لا يقومون برحاله، ولست مثله يقاتلك على أمرٍ، وتقاتله على غيره، أنت تريد البقاء وهو يريد الفناء، وأهل العراق يخافون منك إن ظفرت بهم، وأهل الشام لا يخافون من على إن ظفر بهم، ولكن ألق إليهم أمراً إن قبلوه اختلفوا وإن ردوه اختلفوا، ادعهم إلى كتاب الله حكماً فيما بينك وبينهم فإنك بالغ بهم حاجتك، قال نصر: حدثنا عمرو بن سعد بإسناده عن جابر قال: سمعت تميم بن خزيم يقول لما أصبحنا من ليلة الهرير نظرنا فإذا بالمصاحف قد ربطت على رؤس الرماح.
قال أبو جعفر وأبو الطفيل: وضعوا في كل مجنبة مائتي مصحف فكان جميعها خمسمائة مصحف، ثم نادوا هذا كتاب الله بيننا وبينكم، وأقبل الأشتر على فرس كميت، وقد وضع مغفره على قربوس السرج يقول: اصبروا يا معشر المسلمين قد حمى الوطيس واشتد القتال، قال نصر في حديث عمرو بن سعد فلما رفع أهل الشام قال علي عليه السلام. أنا أحق من أجاب إلى كتاب الله تعالى، ولكن معاوية وعمرو بن العاص، وعقبة ابن أبي معيط ليسوا بأصحاب دين ولا قرآن، إني أعرف بهم منكم، صحبتهم صغاراً ورجالاً، وكانوا شر صغار وشر كبار ورجال، وما رفعوها إلا خديعة، فجاءه من أصحابه قدر عشرين ألفاً مقنعين في الحديد، سالي سيوفهم على عواتقهم، قد اسودت جباههم من أثر السجود. فقالوا: يا علي أجب القوم إلى كتاب الله، أو نقتلك كما قتلنا ابن عفان، وابعث إلى الأشتر فيأتيك. فقال الأشتر: امهلوني فواق ناقة فقد أحسست بالظفر. فقالوا: له: تحب أنك ظفرت ونقتل أمير المؤمنين أو يسلم إلى عدوه، فأقبل حتى انتهى إليهم فصاح: يا أهل الذل والوهن، أحين علوتم فظنوا أنكم قاهرون، رفعوا المصاحف، حدثوني عنكم فقد قتل أماثلكم متى كنتم محقين، أحين قتل خياركم فأنتم الآن حين أمسكتم عن القتال مبطلون أم أنتم محقون، فقتلاكم الذين كانوا خيراً منكم في النار، فقالوا: دعنا منك يا أشتر. قال: خدعتم فانخدعتم فسبوه وسبهم، وضربوا بسياطهم وجه دابته وضرب دوابهم، فصاح بهم علي عليه السلام. فكفوا فبعث علي نفراً من أهل العراق. وبعث معاوية من أهل الشام فاجتمعوا بين الصفين ومعهم الصحف، واجتمعوا على أن يحيوا ما أحياء القرآن ويميتوا ما أماته، وعلى أن يحكموا رجلين أحدهما من أصحاب علي عليه السلام، والآخر من أصحاب معاوية، فقال: أهل الشام اخترنا عمرو بن العاص، فقال الأشعث والخوارج: رضينا بأبي موسى، فقال: عليه السلام: إني لا أرضى به وليس يرضى، وقد فارقني وخذل الناس عني ثم هرب مني، ولكن هذا ابن عباس قال: والله ما نبالي أنت كنت أو ابن عباس. قال: فإني أجعل الأشتر. فقال الأشعث. وهل ضيق[29] سعة الأرض علينا إلا الأشتر. فقال علي: إني أخاف أن يخدع يمينكم فإن عمرواً ليس من الله في شيء.
قال الأشعث: هو أحب إلينا. فقال علي: قد أبيتم إلا أبا موسى؟
قالوا: نعم، فبعثوا إلى أبي موسى، فجاء الأحنف بن قيس إلى علي فقال يا أمير المؤمنين: إن شئت أن تجعلني حكماً أو ثانياً أو ثالثاً، فإنه لا يعقد عقدة إلا حللتها، ولن يحل إلا عقدت فأبى الناس ذلك، ثم إن أبا موسى وعمرو بن العاص أخذا على علي عليه السلام ومعاوية عهد الله بالرضا بما حكما به من كتاب الله وسنة نبيه على أن على الحكمين أن يحكما بكتاب الله وسنة نبيه، فإن لم يفعلا برئت الأمة من حكمهما، وللحكمين أن ينزلا منزلا عدلاً بين أهل العراق وأهل الشام، لا يحضر فيه إلا من أحبا عن ملأ منهما وتراضٍ، والناس آمنون على أنفسهم وأهاليهم وأموالهم إلى انقضاء مدة الأجل، والسلاح موضوع والسبيل مخلاة، وكان الكتاب في صفر، والأجل الذي يلتقي إليه الحكمان شهر رمضان، ثم إن الأشعث خرج بالكتاب يقرأه على الناس فرضى به أهل الشام، ثم مر برايات عنزة وكان منهم مع علي عليه السلام أربعة آلاف مخفف.
فلما قرأه عليهم قال معدان وجعد أخوان: لا حكم إلا لله فهما أول من حكم. ثم حملا على أهل الشام ثم مر به على مراد. فقال صالح بن شقيق:
|
ما لعلي في الدماء قد حكم |
لو قاتل الأحزاب يوماً ما ظلم