وقد قدمنا هذا الحديث حيث ذكرنا أن الحق مع علي وأنه مع الحق، احتجاجاً به هناك على ذلك، وذكرناه هاهنا لكونه حجة أيضاً في قتال أهل لا إله إلا الله البغاة.
وفي الروايتين بعض تقديم وتأخير يخالف بينهما والمعنى واحد، ونحن نرويهما من سماعين كذلك.
وروينا عن أبي سعيد الخدري قال: أمرنا رسول الله بقتال الناكثين والقاسطين والمارقين. فقلنا: يا رسول الله أمرتنا بقتال الناكثين والقاسطين والمارقين فمع من؟ قال: ((مع علي بن أبي طالب)).
وروينا عن أبي سعيد الخدري أيضاً قال: لما بنا المسجد كنا نحمل لبنة لبنة، وعمار لبنتين لبنتين، فرآه النبي صلى الله عليه وآله فجعل ينفض التراب عن رأسه ويقول: ((ويحك تقتلك الفئة الباغية، تدعوهم إلى الجنة ويدعونك إلى النار، ألا تحمل كما يحمل أصحابك)) قال: إني أريد الأجر من الله تعالى، فجعل ينفض التراب عن عمار ويقول: ((ويحك تقتلك الفئة الباغية، تدعوهم إلى الجنة ويدعونك إلى النار)). وفي بعض الأخبار: ((وآخر زادك من الدنيا شربة من لبن)).
وروي أنه لما كان اليوم الذي قتل فيه شرب شربة من لبن، ثم كان يقول: الجنة الجنة تحت الأسنة، اليوم ألقى الأحبة، محمداً وحزبه.
وروي أنه لما قتل عمار قال عبد الله بن عمرو بن العاص: اليوم صح لنا يا معاوية أنك على الباطل؛ لأني سمعت رسول صلى الله عليه وآله يقول لعمار: ((تقتلك الفئة الباغية)).
قال معاوية: أنحن قتلناه، إنما قتله من جاء به.
قال: فإنما قتل حمزة النبي صلى الله عليه وآله.
وعن أبي عمارة عن خزيمة بن ثابت قال: كان خزيمة بن ثابت كافاً لسلاحه حتى قتل عمار بصفين فسل سيفه وقال: حانت حل لي القتال، فقاتل حتى قتل، ولما رأى علي عماراً مقتولاً وقف عليه وقال: إنا لله وإنا إليه راجعون، إن امرء لم تدخل عليه مصيبة من قتل عمار فما هو من الإسلام في شيء، ثم قال: رحم الله عماراً يوم قتل ويوم يبعث، ويوم يسأل، فوالله لقد رأيت عماراً وما يذكر من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله ثلاثة إلا كان رابعهم، ولا أربعة إلا كان خامسهم، إن عمار وجبت له الجنة في غير موطن فهنيئاً له الجنة، ولقد قتل مع الحق والحق معه، فقاتل عمار وسالب عمار وشاتم عمار في النار، وصلى عليه ودفنه. ولما سار علي عليه السلام لقتالهم، وخرج من الأنبار سار في برية وأخرج بها عيناً بقرب دير فسئل عنها الراهب فقال: إنما بني هذا الدير لهذه العين، وهي عين راحوماً، ما استخرجها إلا نبي أو وصي نبي. ولقد شرب منها سبعون[24] نبياً وسبعون وصياً، فأخبروا بذلك علياً.
وعن أبي سعيد قال: خرجت مع علي عليه السلام إلى الشام حتى إذا كان بجانب هذا السواد لظهر الكوفة عطش الناس، واحتاجوا إلى الماء، فانطلق علي صلوات الله عليه حتى انتهى إلى صخرة كأنها ربضة عنز، فأمر بها فقلعت. فخرج لنا ماء فشرب الناس فارتووا. ثم أمر بالصخرى فألقيت عليها، ثم سار حتى انتهى إلى المنزل فقال: أيكم يعلم مكان هذا الماء الذي شربنا منه؟ فقالوا: يا أمير المؤمنين نحن نعلم مكانه. قال: فاذهبوا إليه، فانطلقنا رجالاً وركباناً حتى أتينا المكان الذي كنا نعلمه فيه فطلبناه فيه فلم نقدر على شيء، فلما أعيا علينا أتينا ديراً قريباً منه فسألنا أهل الدير هل يعلمون مكان هذا الماء الذي هاهنا. قالوا: ما هاهنا ماء. قلنا: بلى قد شربنا منه. قالوا: وأنتم شربنا منه؟ قلنا: نعم. قالوا: فوالله ما بني هذا الدير إلا من أجل ذلك الماء، وما استخرجه إلا نبي أو وصي نبي.