قلنا: إن القوم منعوه عن ذلك، وصدوه عما أمر به أعظم المنع، حيث بادروا قبل فراغه من جهاز رسول الله صلى الله عليه وآله إلى التأمير عليه، وأخذ حقه غصباً، وقعد أبو بكر مقعد رسول الله صلى الله عليه وآله وقال: هو الذي ينفذ جيش أسامة.
ومن المعلوم أنه كان في جيش أسامة، وأنه كان أميراً عليه كما روى محمد بن علي، عن أبيه علي بن الحسين، عن أبيه علي عليه السلام قال: أمرني رسول الله صلى الله عليه وآله بثلاث: أمرني ان أنفذ جيش أسامة وفيهم أبو بكر وعمر، وأن لا يساكنه إلا أهل دينه.
قال الراوي عن محمد بن علي وهو جابر: نسيت الثالثة، وفيه دلالة على أنه ما ترك ذلك إلا ممنوعاً، على أن ذلك معلوم ضرورة بالتواتر أن أبا بكر يمنعه من ذلك ومن غيره، فلا يحتاج إلى استدلال ونظر.
وكم أتى فيه حديث مشترك |
في طرق الفضل التي قد ملك
فلا تكن في أمره ممن هلك
أما الأخبار المشتركة الجامعة لفنون الفضل، المشتملة على أنواع الشرف، فقد أورد فيه عليه السلام من ذلك كثير، نحو ما روى الناصر للحق عليه السلام بإسناده عن جابر أن علياً عليه السلام لما قدم من خيبر بعدما افتتحها قال له النبي صلى الله عليه وآله: ((لولا أن تقول فيك طوائف من أمتي ما قالت النصارى في المسيح بن مريم لقلت فيك قولاً لا تمر بملأ إلا أخذوا من تراب رجليك، وفضل طهورك يستشفون به، ولكن حسبك أنك مني وأنا منك، ترثني وأرثك، وأن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي، وأنك تبرئ ذمتي، وتقاتل على سنتي، وأنك غداً في الآخرة أقرب الناس مني، وأنك على الحوض خليفتي، وأنك أول من يكسى معي، وأنك أول داخل معي من أمتي الجنة، وأن شيعتك على منابر من نور، مبيضة وجوههم أشفع لهم، ويكونون غداً جيراني، وأن حزبك حزبي وسلمك سلمي، وأن سرك سري وعلانيتك علانيتي، وأنك أمرء سريرة صدرك كسريرة صدري، وأن ولدك ولدي، تنجز عداتي، وأن الحق معك ليس أحد من الأمة يعدلك، فإن الحق معك وعلى لسانك، وفي قلبك وبين عينيك، وأن الإيمان مخالط لحمك ودمك كما خالط لحمي ودمي، وأنه لن يرد الحوض مبغض لك، ولا يغيب عنه محب لك حتى يرد الحوض معي)).
قال: فخر علي ساجداً ثم قال: الحمد لله الذي أنعم عليَّ بالإسلام، وعلمني القرآن، وحببني إلى خيرة البرية خاتم النبين، وسيد المرسلين إحساناً منه وتفضلاً.
وروينا هذا الحديث بطريق أخر فيه[15] زيادة بعد قوله تفضلاً، وهي تفضلاً منه عليَّ. فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ((لولا أنت يا علي ما عرف المؤمنون من بعدي، لقد جعل جل وعز نسل كل نبي من صلبه وجعل نسلي من صلبك يا علي، فأنت أعز الخلق وأكرمهم عليَّ، وأعزهم عندي ومحبك أكرم من يرد عليَّ من أمتي)).
فانظر أيها المستبصر إلى ما اطوى عليه هذا الخبر، هل تجد مثله في أحد من الخلق بعد محمد رسول الله صلى الله عليه وآله، وأين تكون المماثلة بين القوم مع هذا وأمثاله، وكيف يكون الشك، ولله القائل: