ووجه الإحتجاج به أن النبي صلى الله عليه وآله أمر بإنفاذ جيش أسامة، والمأمور بذلك لا يجوز أن يكون غير أمير المؤمنين، فيجب أن يكون هذا أمير المؤمنين، وذلك يفيد معنى الإمامة.

وإنما قلنا أن المأمور به لا يجوز أن يكون غير علي؛ لأنه لا يخلو أن يريد بذلك الحاضر والغائب، ولا يجوز أن يريد الغائب؛ لأن قوله أنفذوا صيغته صيغة الأمر للحاضر بلا خلاف بين أهل اللغة العربية.

فلو حمل على الغائب لكان حملاً له على غير حقيقة، مع إمكان حمله عليها، وذلك لا يجوز، ولهذا يبطل قول من يقول أنه أمر لجميع الأمة؛ لأن ذلك يقتضي أن المنفذ هو المنفذ وذلك محال.

وبذلك يبطل أن[13] يكون ذلك الجيش هو المأمور بإنفاذ نفسه؛ لأن القائل إذا قال أرسل زيداً عقل منه أن المسير غير المسير، فإذا بطل أن يكون الغائب هو المامور بإنفاذ جيش أسامة، وبطل أن يكون ذلك الجيش هو المأمور بإنفاذ نفسه، بطل أن يكون المأمور بإنفاذه هو أبو بكر وعمر؛ لأن الإجماع منطبق على أن عمر بن الخطاب كان في جيش أسامة، وأن أسامة أمره صلى الله عليه وآله، وإجماع أهل البيت عليهم السلام منطبق على أن أبا بكر كان في جيشة أسامة، ولم تختلف هذه الأمة انه لم يكن حاضراً من الحاضرين لمن أقره النبي صلى الله عليه وآله بالإنفاذ، بل قال بعضهم كان في جيش أسامة.

وقال بعضهم لم يكن في جيشه، ولا كان حاضراً حين قال النبي صلى الله عليه وآله: ((انفذوا جيش أسامة)) بل ما كان هناك من الرجال إلا علي بن أبي طالب، والعباس بن عبد المطلب، وقثم بن العباس، فبان أن أبا بكر وعمر لم يأمرهما النبي صلى الله عليه وآله بإنفاذ جيش أسامة، وقد ثبت أن العباس وقثم لا يجوز أن يكونا مأمورين بذلك بلا خلاف بين الأمة؛ لأن منهم من قال: المأمور بذلك علي بن أبي طالب عليه السلام، ومنهم من قال: المأمور أبو بكر لما بويع له بعد النبي صلى الله عليه وآله.

وإنما قلنا بأنه إذا لم يكن غير علي عليه السلام هو المأمور به وجب أن يكون المأمور بإنفاذه؛ لأنه لو لم يحمل على ذلك وهو أنه المأمور به لما كان أحد مأمور بإنفاذه، وهو يعلم خلافه ضرورة بإجماع الصحابة وبالأخبار المتواترة، فصح أن أمير المؤمنين عليه السلام هو المأمور به، وإنما قلنا بأنه إذا كان مأمور بذلك كان هو الإمام لوجهين:

أحدهما: أن الإجماع منطبق على أن المأمور بإنفاذ جيش أسامة هو الإمام، وإنما اختلفوا في تعيينه فمنهم من قال: هو أمير المؤمنين عليه السلام، ومنهم من قال: هو من استخلف من بعده.

الوجه الثاني: أن تجييش الجيوش إلى الأئمة كالحدود بلا خلاف بين الصحابة، فثبت أن الإمام دون غيره، فإن قيل ما أنكرتم أن يكون أمراً في حال حياة النبي صلى الله عليه وآله دون ما بعد الوفاة؟

قلنا: إن الأمر لا يجب على الفور عندنا، ثم لو قدرنا أنه يجب على الفور فإن هذا الأمر خاصة قد اقترنت منه قرينة تدل على أنه كما هو أمر قبل الوفاة، فكذلك بعد الوفاة؛ لأن الصحابة اجتمعت على ذلك، ولهذا تشدد فيه أبو بكر ولم يلتفت إلى قول عمر، وقال: لا أخالف أمر رسول الله صلى الله عليه وآله بمحضر من الصحابة هذا بعد موت النبي صلى الله عليه وآله، وقال عمر لأسامة بعد موت النبي صلى الله عليه وآله: أنت أميري أمرك رسول الله صلى الله عليه وآله عليَّ ولم يعزلك.

وفي رواية الهادي إلى الحق عليه السلام: لما كتب أبو بكر لأسامة وأمره بالرجوع إليه للبيعة منه، أتى أسامة أبا بكر فسأله البيعة، فقال أسامة: إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أمرني عليك أنت من أمرك علي، والله لا أطيعك أبداً، ولا أحللت لك عهدي، فلا صلاة لك إلا بصلاتي، فما أنكر ذلك أبو بكر عليه، بل اعتذر إليه بأن الناس[14] أجمعوا عليه، ومن المعلوم الظاهر أن أبا بكر احتاج إلى أن يستأذن لعمر في التخلف عن جيش أسامة، وذلك كله يدل على أن الصحابة تحققت أن جيش أسامة لابد من إنفاذه بعد موت النبي صلى الله عليه وآله لأمره بذلك، فإن قيل: لو كان علي هو المأمور بذلك لقام به؟

14 / 292
ع
En
A+
A-