ولهذا قال: اخلفني في قومي. وقال له: {يَاهَارُونُ مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا، أَلاَّ تَتَّبِعَنِي أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي}.
فلما كان تابعاً وكان أمره من تحت أمره كان علي عليه السلام بهذه المنزلة من النبي صلى الله عليه وآله سوى النبوة، صح ما قاله صلى الله عليه وآله، وظهر وجه التشبيه بينهما، وعلى أن الفضيلة التي ذكرها المخالف، وحمل عليها ما ذكر في الخبر من أن المنزلة تقتضي أن لا يصح ما قاله[12] لأن تلك الفضيلة مستفادة من النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وفضيلة هارون عليه السلام لم تكن مستفادة من جهة موسى عليه السلام، فلا يصح حمل المنزلة على الفضيلة أيضاً، فما أجاب به من الفضيلة التي ذكرها فواجبنا مثله في الإمامة، وهذا كما قال الشيخ أبو عبد الله: أن الخبر يدل على أنه عليه السلام أفضل الناس بعد النبي صلى الله عليه وآله كما أن هارون كذلك.
والجواب على ذلك: أن هذا تأويل له على حد محتملاته دون أن نقصر على ذلك وحده، بل يجب إدخال غيره من المحتملات معه؛ لأن اللفظة إذا احتملت أكثر من معنى واحد وجب حملها على جميع المعاني، وقد قال السيد أبو طالب عليه السلام: أن من منازل هارون من موسى أنه كان لا يجوز أن يكون رعبة لأحد من أمة موسى، فيجب أن يثبت ذلك لعلي عليه السلام.
قال الإمام المرتضى عليه السلام: من منازل هارون من موسى أنه كان مفترض الطاعة في أمة موسى فيجب ذلك لعلي عليه السلام.
قال الشيخ أبو الفضل بن شروين رضى الله عنه: من منازل هارون كونه مقدماً على بني إسرائيل، ولم يكن لأحد منهم أن يتقدمه، وأنه كان يجب أن يكون آمراً ناهياً، فتجب هذه المنزلة لعلي عليه السلام، وعلى الجملة فإنه يجب حمل المنزلة على جميع ما يحتمله، وهو يدخل في ذلك لا محالة الخلافة، ومعنى الإمامة والعصمة والفضل وما أشبه ذلك لا يعقل قصرها على الفضل كما ادعى المخالف، وهذا بين لمن أنصف نفسه وخصمه، واستبصر بنور الهدى، فثبت الكلام في دلالة الخبر على إمامته عليه السلام، وبطلت الإعتراضات الواردة عليه بفضل الله ومشيئته، ومنته ورحمته.
وقد أتى الحديث في أسامه |
وجيشه من صاحب الزعامه
محققاً لصنوه الإمامه
هذا الخبر هو من جملة الأدلة على إمامة أمير المؤمنين عليه السلام، وهو قول النبي صلى الله عليه وآله في آخر أيامه من الدنيا: ((أنفذوا جيش أسامة)) وهذا الخبر معلوم الصحة عن الرسول صلى الله عليه وآله بحيث يعلم كونه من النبي صلى الله عليه وآله ضرورة، ويقر به الموالف والمخالف، وتحتج به المعتزلة بزعمها في إمامة أبي بكر.
وأجمعت الصحابة على صحته ويتذاكروه فيما بينهم.