فقلنا: ما برهانكم؟
قالوا: قول الله تبارك وتعالى: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَه} وقوله: {وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْراً وَأَعْظَمَ أَجْراً وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ} فقبلنا منهم، وشهدنا أن خيرته من السابقين إلى الجهاد أكثرهم عملاً في الجهاد، وأبذلهم لله مهجة، وأكثرهم قتالاً لعدوه.
ثم سألنا الفريقين عن هذين الرجلين الذين اختلفت فيهم الأمة علي بن أبي طالب صلى الله عليه وآله وأبي بكر بن أبي قحافة أيهما كان أكثر عملاً في الجهاد في سبيل الله، وأكثرهم ضرباً وطعناً، وصبراً وقتالاً، ومنفعة وخوفاً منه من خالف الحق في سبيل الله؟ فاجتمع الفريقان على أن علي بن أبي طالب عليه أفضل الصلاة والسلام كان أكثرهم عملاً في الجهاد في سبيل الله، فلما اجتمعوا على ذلك الفريقان جميعاً قبلنا منهم، وشهدنا أن علي بن أبي طبالب خير من أبي بكر بما دل عليه الكتاب والسنة فيما اجتمعوا عليه من فضله في كتاب الله الذي لا خلاف فيه، فدل ما اجتمعت عليه الأمة على أن خيرة الله المتقين، وأن خيرة الله من المتقين المجاهدون في سبيل الله، وأن خيرة الله من المجاهدين السابقون إلى الجهاد، وأن خيرة الله من السابقين أكثرهم عملاً في الجهاد، واجتمعت الأمة على أن خيرة الله من السابقين في الجهاد البدريون، وأن خيرة البدريين المجاهدون هذان الرجلان اللذان اختلفت فيهم الأمة علي بن أبي طالب وأبو بكر، فلم يزل الفريقان يصدق بعضهم بعضاً، ويدل بعضهم على بعض، حتى دلوا على خيرة هذه الأمة بعد نبيها بما اجتمعت عليه الأمة من كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وآله.
ثم سألنا الفريقين حيث اجتمعوا على أن خيرة الله هم المتقون فسألنا فيه من هم؟
فقالوا: هم الخاشيون، فقال: ما برهانكم عليه؟ فقالوا: قول الله تبارك وتعالى: {وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ، هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ، مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ} {وَضِيَاءً وَذِكْراً لِلْمُتَّقِينَ، الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ وَهُمْ مِنَ السَّاعَةِ مُشْفِقُونَ} فقلنا: من هم؟ وشهدنا أن المتقين هم الخاشيون.
ثم سألنا الفريقين عن الخاشين؟ فقالوا: العلماء، فقلنا: هاتوا برهانكم عليه؟
قالوا: قول الله تبارك وتعالى: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} فقلنا: من هم؟ وشهدنا أن الخاشين هم العلماء.
ثم سألنا الفريقين عن أعلم الناس من هو؟ فقالوا: أعمل الناس بالعدل، وأهداهم إلى الحق، وأحقهم أن يكون متبوعاً حاكماً، ولا يكون تابعاً.
فقلنا: ما برهانكم عليه؟
قالوا: قول الله تبارك وتعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ} فجعل الحكومة لأهل العدل، وأهل العلم.