ومعنى قوله: فخرج إلينا متفضلاً أي متبذلاً، وخرج عليه السلام على هشام مجاهداً في سبيل الله سابقاً، وكان قيامه لسبع بقين من المحرم سنة اثنتين وعشرين ومائة، وله حديث يطول هاهنا، إلا أنه رمي بنشابة في جبينه فمات عليه السلام، فحرقوه بالنار، وخبطوه بالشماريخ في العثاكيل حتى صار رماداً، ونسفوه في البر والبحر، وذروه في الرياح، بعد أن صلبوه زماناً لعن الله قاتله وخاذله، والمعين عليه، والمحكى عن زيد بن علي عليه السلام فيما نحن بصدده أنه نسب ما أصابه من ظلم هشام إلى الشيخين، لأجل كونهما أول من سن ظلم العترة، والتقدم على الأئمة.

وعن عبد الرحيم البارقي، عن زيد بن علي عليه السلام قال: الإمامة والشورى لا تصلح إلا فينا، رويناه من كتاب السفينة.

وعن أبي الجارود أن المعتزلة قالوا لزيد بن علي عليه السلام: سلم لمن مضى وننصرك، قال: كل لواء عقد في الإسلام لغيرنا فهو لواء ضلالة.

وعن فضيل المرسان قال: قال زيد بن علي عليه السلام قبض رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فكان أولى الناس بالناس علي بن أبي طالب، ثم قبض علي فكان أولى الناس بالناس الحسن، ثم قبض الحسن فكان أولى الناس بالناس الحسين بن علي عليهما السلام، ثم سكت.

وروي أيضاً عن زيد بن علي عليه السلام أنه قال: كان علي عليه السلام يقول: بايع الناس والله أبا بكر، وأنا أولى بهم منه مني بقميصي هذا، فكظمت غيظي، وانتظرت أمري، وألزقت كلكلي بالأرض، ثم إن أبا بكر هلك واستخلف عمر، وقد والله علم أني أولى بالناس منه بقميصي هذا، فكظمت غيظي، وانتظرت أمري، ثم إن عمر هلك وجعلها شورى، وجعلني فيها سادس ستة كسهم الجدة، فقال: اقتلوا الأول، فكظمت غيظي وانتظرت أمري، وألزقت كلكلي بالأرض حتى ما وجدت إلا القتال أو الكفر بالله.

وقال عليه السلام في كتاب الصفوة: واعلم أن ما أصاب الناس الفتن، واشتبهت عليهم الأمور من قبل ما أذكر لك، فاحسن النظر في كتابي هذا، واعلم أنك لن تستشفي بأول قولي حتى تبلغ آخره إن شاء الله تعالى، وذلك أنهم لم يروا لأهل بيت نبيهم فضلاً عليهم يعترفون لهم به في قرابتهم من النبي صلى الله عليه وآله، ولا علماء بالكتاب ينتهون إلى شيء من قولهم فيه.

وقال عليه السلام: وليس كتاب إلا وله أهل هم أعلم الناس به، ضل منهم من ضل، واهتدى من اهتدى، ثم قال عليه السلام بعد كلام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: هو جدنا وابن عمه المهاجر معه أبونا وابنته أمنا، وزوجته أفضل أزواجه جدتنا، فمن أهل الأنبياء إلا من نزل منزلتنا من نبينا صلى الله عليه وآله والله المستعان، واحتج على ذلك بقول الله سبحانه: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً[121] وَإِبْرَاهِيمَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ فَمِنْهُمْ مُهْتَدٍ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ}.

وحكى عنه الحاكم رحمه الله أنه قال: الرد إلينا ونحن والكتاب الثقلان.

وروى عنه الحاكم أيضاً في كتاب السفينة أنه قال: نحن ولاة أمر الله، وخزان علم الله، وورثة وحي الله، وعترة نبي الله، وشيعتنا دعاة الشمس والقمر، والله لا تقبل التوبة إلا منهم، ولا يخص بالرحمة يوم القيامة سواهم.

ومن ذلك ما ذكره عليه السلام في رسالته المشهورة المسموعة قال الرواة: هذه الرسالة للإمام الرضي، والحسام المشرفي زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب صلوات الله عليهم أجمعين، وعلى جميع النبيين وسلامه، حدثنا القاضي الأجل يحيى بن عطية إجازة، قال حدثنا الفقيه الأجل حبر المدارس، وصدر المجالس، حسام الدين، وزين الموحدين، حميد بن أحمد -أدام الله علوه- إجازة وبعضه سماعاً قال: حدثنا الفقيه الأجل العالم، الزاهد العابد، بها الدين علي بن أحمد بن الحسن بن المبارك الأكوع رضوان الله عليه، قال حدثنا الشيح الأجل، العالم الفاضل الصالح أبو علي بن صالح السمانة الكوفي الزيدي -أيده الله- بمكة- حرسها الله تعالى- بظهور الحق وأهله، فقال: حدثنا الشيخ الصالح أبو عبد الله بن محمد بن عبد الله الزيدي بن ملاعب الأسدي المفسر، قال: أخبرنا السيد الشريف تاج الدين أبو البركات عمر بن إبراهيم العلوي الحسني إجازة، قال أخبرنا السيد الشريف العلامة أبو عبد الله محمد بن علي بن الحسين بن عبد الرحيم العلوي رضي الله عنه، قال: أخبرنا أبي رضي الله عنه، قال: حدثنا أبو القاسم الحسن بن محمد بن سعيد الرقي، قراءة عليه سنة ست وخمسين وثلاثمائة، قال حدثنا محمد بن علي بن جعفر العطار، قال حدثنا محمد بن مروان الغزال، عن إبراهيم الحكم بن ظهير، عن أبيه، عن السدي، عن زيد بن علي عليه السلام قال: هذا قول من خاف مقام ربه، واختار لنفسه ودينه، وأطاع الله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم وعلى أهل بيته، واجتنب الشك واعتزله، والظن والدعوى والأهوى، والشبهات والقياس، وأخذ عند ذلك بالحق من طاعة الله وطاعة رسوله صلى الله عليه وعلى أهل بيته بالحجة البالغة، والثقة واليقين، فاحتج بذلك على من خالفه بخلاف الحق، ويرى الواجب مما جاء به الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، وعلى أهل بيته وأصحابه البدريين من كتاب الله وسنة نبيه، وما جاء به الرسول في كتاب الله وسنة نبيه، وتركنا ما قالت الأمة برأيها فنثق برأيها، فاختلفت فيه بلا فقه ولا يقين ولا حجة؛ لأن الرأي قد يخطئ ويصيب، فما كان يخطئ مرة ويصيب مرة فليس بحجة ولا يقين ولا ثقة، وذلك أن الأمة أجمعت على أن النبي صلى الله عليه وآله والبدريين اجتمعوا يوم بدر حيث شاورهم النبي صلى الله عليه وآله فيما شاور أهل بدر، فاتفق رأيهم ورأي النبي صلى الله عليه وآله وأصحابه البدريين، أن يقبلوا منهم الفداء من الأسارى، وكان ذلك الرأي من النبي صلى الله عليه وآله وأصحابه البدريين صواباً[122] وقد كان خطأ عند الله عز وجل، حتى نزل على نبيه صلى الله عليه: {مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الآخِرَةَ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ، لَوْلاَ كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ، فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلاَلاً طَيِّباً وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} فالذي يخطئ مرة ويصيب مرة فليس ما يخطئ ويصيب بيقين، ولا حجة ولا ثفة، ولكن الحجة علينا عند الله الطاعة لله ولرسوله، وما أجمعت عليه الأمة بعد الرسول مما جاء به الرسول، وسنة نبيه صلى الله عليه وآله وسلم، وقد بين الله في كتابه فقال: {مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً} والآخذون بما جاء الرسوله به من كتاب الله وسنة نبيه، مطيعون لله ولرسوله، مستوجبون من الله الكرامة والرضوان، والتاركون لذلك عاصون لله وللرسول، مستوجبون من الله العذاب.

120 / 292
ع
En
A+
A-