ومنها: إن قيل أن الخبر يدل على نقيض الإمامة من حيث الخلافة لم تثبت لهارون بعد موسى فيجب أن لا تثبت لعلي أيضاً بعد النبي صلى الله عليه وآله [11] أو لأنه لما استثنى النبوة وهذا التصرف داخل تحتها وجب أن يخرج لخروجها.

والجواب عن ذلك قد سبق حيث بينا أن قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم لا نبي بعدي يقتضي ثبوت هذه المنازل لأمير المؤمنين بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، والإجماع عند من ثبت ذلك له عليه السلام [219-ج] على ثبوته له بعد موت النبي صلى الله عليه وآله فإن العترة مجمعة على ذلك وإجماعهم حجة كما قدمنا وقد بينا أن هذا التصرف ليس من أحكام النبوة، بل هو منفصل عنه لثبوته حيث لا تثبت النبوة، فانه ثابت للأئمة وليسوا بأنبياء على ما تقدم بيانه، فلا يكون استثناء النبوة مقتضياً لاستثناء هذا التصرف.

ومنها: إن قيل أنه النبي صلى الله عليه وآله أثبت منزله في الحال كما بقي النبوة في الحال، وقبل أن لا يكون إماماً في الوقت كما لم يكن نبياً في الوقت، فإذا لم يصح ذلك لم يكن فيه دلالة على الإمامة، ويجب حمله على منزلة الفضيلة، وسكون نفس رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إليه؛ لأن ذلك هو الثابت في الحال دون الإمامة.

والجواب عن ذلك من وجهين:

أحدهما: أن الظاهر يقتضي ثبوت هذه المنازل لعلي عليه السلام بعد موت النبي صلى الله عليه وآله وسلم لقوله: ((إلا أنه لا نبي بعدي)) كما سبق القول فيه فلا يكون ذلك ثابتاً له في الحال.

والثاني: أنا لو سلمنا اقتضا الخبر لثبوت هذه المنازل لعلي عليه السلام في الحال وفيما بعد الحال لكان في الإجماع المنعقد على أنه لا أمر لأحد مع النبي صلى الله عليه وآله ما يقتضي خروج زمانه، بما اقتضاه الخبر فيبقى ما بعده داخلاً تحت ما اقتضاه، فثبت إماماً بعده بلا فصل، إذ لا دليل يقتضي خروج ذلك الزمان.

ومنها: إن قيل إنما كان ذلك يصح لو كان منزلة هارون مستفادة من موسى عليهما السلام، وليس كذلك لأن منزلة هارون وهي النبوة لم تثبت من قبل موسى بل هي ثابتة من الله تعالى.

وكذلك إمامة علي عليه السلام ثابتة من قبل الله تعالى فكيف يصح التشبيه بينهما.

والجواب عن ذلك أن منازل هارون لما ثبتت بسؤال موسى، وبعناية من جهته، وكانت تابعة لنبوته صارت كالمستفاد منه، وإن كانت ثابتة من الله سبحانه كما تقدم بيانه.

وكذلك القول في إمامة علي عليه السلام فإنها لما كانت تابعة لنبوة محمد صلى الله عليه وآله، وثابتة بدلالة قوله، وواضحة المنهاج ببيانه، صارت كالمستفاد منه والمضافة إليه، فيصح بذلك أن يقول: أنت مني بمنزلة هارون من موسى، لا سيما بعد سؤاله من الله تعالى كما تقدم في خبر أبي ذر، ولا يخفى على منصف أن هارون كان تابعاً لموسى عليهما السلام، وكان أمره من تحت أمره.

12 / 292
ع
En
A+
A-