ومن ذلك ما روينا عن ابن عباس قال: بينما علي عليه السلام بين أصخابه إذ بكا بكاءاً شديداً حتى لبقت لحيته فقال له ابنه الحسن عليه السلام: ما لك تبكي؟ قال: يا بني لأمور خفيت عليك أنبأني بها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، قال: وما أنبأك به رسول الله صلى الله عليه؟

قال: يا بني لولا أنك سألتني ما أخبرتك لئلا تحزن، ويطول همك، أنبأني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم[119] فذكر حديثاً طويلاً قال فيه: ((يا علي كيف أنت إذا وليها الأحول الذميم، الكافر اللئيم، فيخرج عليه خير أهل الأرض من طولها والعرض؟ قلت: يا رسول الله من هو؟ قال: رجل أيده الله بالإيمان، وألبسه قميص البر والإحسان، فيخرج في عصابة يدعون إلى الرحمن، أعوانه من خير أعوان، فيقتله الأحول ذوا الشنآن، ثم يصلبه على جذع زمان، ثم يحرقه بالنيران، ثم يضربه بالعسبان حتى يكون رماداً كرماد النيران، ثم تصير إلى الله عز وجل روحه وأرواح شيعته إلى الجنان)).

وروينا بالإسناد إلى جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جده، عن الحسين بن علي عليهما السلام أن علياً أمير المؤمنين صلوات الله عليه خطب خطبة على منبر الكوفة، فذكر أشياء وقتها حتى ذكر أنه قال: ثم تملك هشام تسعة عشر سنة، وتوارته أرض رصافة رضفت عليه النار، مالي ولهشام جبار عنيد، قاتل ولدي الطيب المطيب، لا تأخذه رأفة ولا رحمة، يصلب ولدي بالكناسة بالكوفة، زيد في الذورة الكبرى من الدرجات العلى، فإن يقتل زيد فعلي سنة أبيه، ثم الوليد فرعون خبيث شقي غير سعيد، ياله من مخلوع قتيل، فاسقها وليد وكافرها يزيد، وطاغوتها أزيرق، متقدمها ابن آكلة الأكباد، ذره يأكل ويتمتع ويلهه الأمل فسوف يعلم من الكذاب الأشر.

وروينا عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام أنه قال: يخرج مني بظهر الكوفة رجل يقال له زيد في أبهة سلطان، والأبهة الملك، لم يسبقه الأولون ولا يدركه الآخرون، إلا من عمل بمثل عمله، يخرج يوم القيامة هو وأصحابه معهم الطوامين، لم يتخطوا أعناق الخلائق، قال: فتلقاهم الملائكة فيقولون: هؤلاء خلف الخلف، ودعاة الحق، يستقبلهم رسول الله صلى الله عليه وآله فيقول: ((قد عملتم بما أمرتم ادخلوا الجنة بغير حساب)).

وروينا عن أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال: الشهيد من ذريتي القائم بالحق من ولدي، المصلوب بكناسة كوفان، إمام المجاهدين، وقائد الغر المحجلين، يأتي يوم القيامة هو وأصحابه تتلقاهم الملائكة المقربون، ينادونهم ادخلوا الجنة لا خوف عليكم ولا أنتم تحزنون.

وروينا عن أبي غسان الأزدي قال: قدم زيد بن علي إلى الشام أيام هشام بن عبد الملك فما رأيت رجلاً كان أعلم بكتاب الله منه، ولقد حبسه هشام خمسة أشهر يقص علينا ونحن معه في الحبس بتفسير الحمد وسورة البقرة يهذ بذلك هذا.

وروينا بالإسناد الموثوق به أيضاً أن زيد بن علي سأل محمد بن علي الباقر عليهما السلام كتاباً كان لأبيه فقال له محمد بن علي: نعم، ثم نسي، فلم يبعث إليه فمكث سنة، ثم ذكر فلقي زيداً فقال: أي أخي ألم تسأل كتاب أبيك؟ قال: بلى، قال: فوالله ما منعني أن أبعث به إلا التيهان، فقال زيد: قد استغنيت عنه، فقال: تستعني عن كتاب أبيك، قال: نعم، استغنيت بكتاب الله، قال: فاسألك عما فيه؟ قال له زيد: نعم، قال: فبعث محمد إلى الكتاب، ثم أقبل بسأله عن حرف حرف، وأقبل زيد يجيبه حتى فرغ من آخر الكتاب، فقال له محمد: والله ما خرمت منه حرفاً واحداً.

وروينا عن بشر بن عبد الله قال: صحبت علي بن الحسين، وأبا جعفر، وزيد بن علي، وعبد الله بن الحسن، وجعفر بن محمد، فما رأيت أحداً كان أحضر جواباً من زيد بن علي عليهما السلام.

وروينا عن سعيد بن خثيم قال: كان زيد بن علي عليهما السلام إذا كلمه رجل أو ناظره يعجله عن كلامه حتى يأتي على[120] آخره، ثم يرجع عليه فيجيبه عن كلمة كلمة، حتى يستوفي عليه الحجة.

وروينا عن أبي سدير قال: دخلنا على أبي جعفر محمد بن علي عليهما السلام، فأصبنا منه خلوة فقلنا: اليوم نسأله عن حوائجنا كما نريد، فبينما نحن كذلك إذ دخل زيد بن علي عليهما السلام وقد كثفت عليه ثيابه، فقال له أبو جعفر: بنفسي أنت ادخل، فأفض عليك من الماء، ثم اخرج إلينا، فخرج إلينا متفضلاً، فأقبل أبو جعفر يسأله، وأقبل زيد يخبره بما يحتج عليه، والذي يحتج به، قال: فنظرت إلى وجه أبي جعفر فتهلل، قال: ثم التفت إلينا أبو جعفر فقال: ياأبا سدير، هذا والله سيد بني هاشم، إن دعاكم أجيبوه، وإن استنصركم فانصروه، تم الخبر.

119 / 292
ع
En
A+
A-