فلما خرج زيد بن علي عليه السلام قال هشام لجلسائه: ألستم زعمتم أن أهل البيت انقرضوا، ألا لعمر الله ما انقرض قوم هذا خلفهم، ودخل عليه مرة أخرى، فجاء وفي مجلسه يهودي يسب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فانتهره زيد بن علي وقال: يا كافر، أما والله لئن مكنت منك لأختطفنّ روحك، فقال هشام: مه يا زيد لا تؤذ جليسنا، فخرج زيد وهو يقول: من استشعر حب البقاء استدثر الذل إلى الفناء، فذلك الذي هاجه إلى الخروج على هشام، وهو الذي انتسب إليه الزيدية، وله من الفضائل ما لا يتسع له هذا الموضع، غير أنا نذكر منه طرفاً في هذا الموضع، فمن ذلك ما روينا عن محمد بن علي عليهما السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم للحسين: ((يا حسين يخرج من صلبك رجل يقال له زيد يتخطأ هو وأصحابه رقاب الناس يوم القيامة، غير محجلين يدخلون الجنة)).

ومنه ما روينا بالإسناد إلى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام قال: لما أخبرني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بقتل الحسين بن علي وصلب ابنه زيد بن علي عليه السلام قلت: يا رسول الله، أترضى أن يقتل ولدك؟ قال: ((يا علي أرضى بحكم الله فيَّ وفي ولدي، ولي دعوتان، إما عوة اليوم وإما الثانية، فإذا عرضوا على الله عز وجل عرضت عليَّ أعمالهم، ثم رفع يديه إلى السماء وقال: يا علي أمن على دعائي اللهم احصهم عددا، واقتلهم بددا، وسلط بعضهم على بعض، وامنعهم الشرب من حوضي ومرافقتي، قال: فأتاني جبريل وأنا أدعو عليهم وأنت تؤمن فقال: قد أجيبت دعوتكما)).

وبالإسناد إلى يحيى بن ميمون رفعه إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: ((يصلب رجل من أهل بيتي بالكوفة عريان لا ينظر أحد إلى عورته متعمداً إلا أعماه الله يوم القيامة)).

وروينا بالإسناد إلى علي عليه السلام عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: ((إن رجلاً يصلب هاهنا من ولدي لا ترى الجنة عين رأت عورته)).

وروينا عن ......العربي قال: كنت مع أمير المؤمنين عليه السلام أنا والأصبع بن نباته في الكناسة في موضع الجزارين، والمسجد والخياطين، وهو يومئذٍ صحرا فما زال يلتفت إلى ذلك الموضع ويبكي بكاء شديداً ويقول: بأبي بأمي، فقال له الأصبع: يا أمير المؤمنين[118] لقد بكيت، والتفت حتى بكت قلوبنا وأعيننا، والتفت فلم أرى أحداً، قال: حدثني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه يولد لي مولود ما ولد أبوه بعد يلقى الله غضباناً وراضياً له على الحق حقاً على دين جبريل وميكائيل ومحمد صلى الله عليهم أجمعين، وأنه يمثل به في هذا الموضع مثالاً ما مثل بأحد قبله ولا يمثل بأحدٍ بعده صلوات الله على روحه وعلى الأرواح التي تتوفا معه.

وبالإسناد إلى أبي ذر الغفاري قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وهو يبكي فبكيت لبكائه فقلت: فداك أبي وأمي قد قطعت أنياط قلبي ببكائك، قال: ((لا قطع الله أنياط قلبك يا أبا ذر، إن ابني الحسين يولد له ابن يسمى علياً أخبرني حبيبي جبريل أنه يعرف في السماء بأنه سيد العابدين، وأنه يولد له ابن يقال له زيد، وأن شيعة زيد هم فرسان الله في الأرص، وأن فرسان الله في السماء الملائكة، وأن الخلق يوم القيامة يحاسبون، وأن شيعة زيد في أرض بيضاء كالفضة أو كلون الفضة، يأكلون ويشربون ويتمتعون، ويقول بعضهم لبعض: امضوا إلى مولاكم أمير المؤمنين حتى ننظر إليه كيف يسقي شيعته، قال: فيركبون على نجائب من الياقوت والزبرجد، مكللة بالجواهر، أزمتها اللؤلؤ الرطب، رحالها من السندس والاستبرق، قال: فبينما هم يركبون إذ يقول بعضهم لبعض: والله إنا لنرى أقواماً ما كانوا معنا في المعركة، قال: فيسمع زيد عليه السلام فيقول: والله لو شاركوكم هؤلاء فيما كنتم من الدنيا كما يشارك أقوام أتوا من بعد وقعة صفين، وإنهم لإخوانكم اليوم، وشركاؤكم اليوم)).

ومنه ما روينا عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه نظر إلى زيد بن حارثة فقال: ((ادن يا زيد زادك اسمك عندي حباً، فأنت سمي الحبيب من أهل بيتي)).

ومن ذلك ما رويناه بإسناده إلى حذيفة بن اليمان عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: ((خير الأولين والآخرين المقتول في الله، المصلوب في أمتي، المظلوم من أهل بيتي، سمي هذا ثم ضم زيد بن حارثة إليه، ثم قال: يا زيد لقد زادك اسمك عندي حباً، سمي الحبيب من أهل بيتي)).

ومن ذلك ما روينا عنه صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: ((يقتل من ولدي رجل يدعا زيد بموضع يعرف بالكناسة يدعو إلى الحق يتبعه كل مؤمن ومؤمنة)).

وفي حديث الحسين بن علي عليهما السلام أنه قال: فإنه حدثني أبي أنه سيكون منا رجل اسمه زيد يخرج فيقتل، فلا يبقى في السماء ملك مقرب، ولا نبي مرسل إلى يلقى روحه، يرفعه أهل سماء إلى سماء فقد بلغت، يبعث هو وأصحابه يتخللون رقاب الناس، فقال: هؤلاء خلف الخلق، ودعاة الحق.

118 / 292
ع
En
A+
A-