وروى بعض العلماء أنه لما اتصل بها نعي أمير المؤمنين عليه السلام قالت: من قتله؟ فقيل لها: رجل من مراد، فأنشدت:
|
فإن يك نائياً فلقد نعاه |
غلام ليس في فيه التراب
فانظر كيف فعلها، وقولها بعد التوبة المروية يشابهان ما كان منها قبلها، كما روي في كتاب الكامل[113] المنير عن عبد الله بن عباس حين أرسله أمير المؤمنين عليه السلام بعد وقعة الجمل إلى عائشة وهي نازلة في دار عبد الله بن خلف الخزاعي بالبصرة، فأمرها بالخروج إلى المدينة، فقالت: افعل والله أخرج، أما والله ما في الأرض أبغض من بلدة أنتم فيها معاشر بني هاشم، فقال لها عبد الله بن عباس: أما والله ما تلك يدنا عندك، لقد سمينا أباك صديقاً، واسمه عتيق بن أبي قحافة، وجعلناك للمسلمين أماً وأنت ابنة أم رومان، فقالت: أتمنون عليَّ برسول الله عليه السلام؟ فقال: إي والله إني لأمنُّ عليك بمن لو كان منك لمننت به عليَّ، ولن تخفى على الله خافية، وهو ولي الأمر سبحانه وتعالى.
ثم قام من بعده أخوه الإمام الحسين السبط، الشهيد بن علي عليهما السلام، وقد كان معاوية عقد الأمر لولده اللعين يزيد بن اللعين معاوية، وبايع الناس يزيد بعد موت أبيه ست سنين، وكان من يزيد لعنه الله من قتل الحسين وأهله وبقية المجاهدين معه، وسبي حرم رسول الله عليه السلام ما قد ظهر واشتهر.
وعن الأعمش بن سالم بن أبي الجعد قال: خطب عمر بن الخطاب الناس فقال: أيها الناس ألست أولى بكم من أنفسكم، فقام الحسين بن علي من جانب المسجد فقال: أنصت أيها المتكلم، أنزل من على منبر أبي، واذهب إلى منبر أبيك، قال: منبر أبيك والله منبري، أبوك أمرك بهذا، قال: وإن كان أمرني إنه لهادي مهتدي، تخطأت رقاب بني عبد المطلب، ترقأ على منبرهم، وتقر بالحكم فيهم، بكتاب أنزل عليهم لا تحفظ تنزيله، ولا تعرف تأويله، بلا بلاء كان منك في ديننا، ولا من آبائك، بل أجلبتم لدين الله الغوائل، فيسألك الله عما أخذت وعما أعطيت، فقال عمر: أمرنا الناس عليهم فتأمرنا، ولو أمروا غيرنا لأطعنا، فقال له الحسين: من أمرك على نفسه من قبل أن تؤمر أبا بكر على نفسك، إنما أمرت أبا بكرٍ على نفسك ليؤمرك على الناس، فسألك الله عما أخذت وعما أعطيت، فنزل عمر مغضباً ومعه الناس، فدخل على علي وعنده الحسن بن علي فقال: ياأبا الحسن أدب الحسين، فإنه يجهر بالقول في مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله، ويحضض طغام أهل المدينة، فقال الحسن بن علي: الحسين يخضض طغام أهل المدينة، على من خضض طغام أهل المدينة لعنة الله، أما والرافضان يوم جمع لولاه ما نلت ما نلت.
فقال علي رضي الله عنه: مهلاً ياأبا محمد، ما أنت بسريع الغضب، ولا بمشون الحسب، ولا فيك عرق من السودان تعجل بالكلام قبلي، وسكت.
فقال عمر: بلى يا أبا الحسن أدبهما فإن في أدبهما منك شرفاً لهما، فقال علي: إنما يؤدب أهل الذلة وأهل المعصية، فأما من أدبه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأدبه فضل فما يؤدب، فقال: إنهما أيهمان وفي قلوبهما ما لا علم لك به، قال فأدبهما فأديهما حقهما يرضى عنك خالقهما، قال: وما حقهما؟
قال: الرجوع إلى التوبة بعد المعصية، قال: فقام ومعه الناس خارجين من عند علي عليه السلام فلقيهم عثمان بن عفان، وعبد الرحمن بن عوف فقال عثمان لعمر: لقد طالت بكما الحجة.