قال ابن عباس: فكنت أول من انصرف، وسمعت لفظ الحسين فخشيته أن يعجل على القوم على من أقبل، لأني رأيت شخصاً عرفت الشر فيه، فإذا أنا بعايشة مبادرة في أربعين راكباً، وهي على بغل تدخل تقدمهم وتأمرهم بالقتال، فقلت: يا سوأتاه، أين تريدين؟ فقالت: يابن عباس، لقد اجترأتم عليَّ تؤذونني مرة بعد مرة، تريدون أن تدخلوا بيتي من لا أهوى هواه، فقلت: يا سوأتاه يوم على بغل ويوم على جمل، تطفين به نور الله، وتقاتلين أولياء الله، وتحولين بين رسول الله وبين حبيبه أن يدفن في بيته، فقد كفاه الله المؤنة، ودفن مع أمه، فلم يزدد دفنه مع أمه برسول الله إلا قرباً، ولم يزدد من أدخل بيتك بغير إذن رسول الله إلا بعداً، والله ما أذن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لأبيك، ولا كان عندك وعنده عهد من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ولقد حرم الله دخول بيته على أبيك في كتابه وعلى من سواه فقال: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلاَّ أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ} ولقد أخرج رسول الله أباك، وأدخل علياً إياه، وحرم المسجد على أبيك وعلى صاحبه وأحله للحسن ولأبيه، فيا سوأتاه فقد رأيت ما يسرك، وستردين معهم غداً على ما تكرهين، فقطبت في وجه ابن عباس وقالت بأعلى صوتها: أو ما نسيتم الجمل يابن عباس، إنكم لذووا حقود، فقال لها ابن عباس: والله ما نسيه أهل السماء فكيف ينساه أهل الأرض، إن ننساه نحن فإن الله تبارك وتعالى لا ينسا كل ذلك في علمه لايغيب عنه، ثم انصرفت، فهذا كلام الحسن في وصيته، وكلام الحسين عليهما السلام في القوم، وفعل عائشة هاهنا نقيض ما يحكى عنها من التوبة الأولى، كما هو نقيض توبتها المروية ما يحكى عنها، أنها لما جاءها خبر قتل أمير المؤمنين عليه السلام خرت ساجدة، وتمثلت بهذه الآبيات:

وبشرها فاستعجلت عن خمارها

 

وقد تستنفر المستعجلين البشائر

وخبرها الركبان أن ليس بينها

 

وبين قرى مصر ونجران كافر

فألقت عصاها واستقر بها النوى

 

كما قر عيناً بالإياب المسافر

111 / 292
ع
En
A+
A-