فلما كان ذلك ثابتاً بسؤال موسى جاز أن يضاف إليه فتكون منازل هارون ثابتة منه فيصح تمثيل ما ثبت لعلي عليه السلام بذلك.
ومنها: إن قيل إنما كان هذا يصح لو بقي هارون بعد موسى حتى يصح تشبيه منزلة علي عليه السلام بمنزلة هارون، ومعلوم أنه مات قبل موسى عليهما السلام، فكيف يشبه علي به فيما ثبت له، والجواب عن ذلك من وجهين:
أحدهما: أن في الخبر ما يدل[10] على أن هذه المنزلة ثابتة لعلي عليه السلام بعد موت النبي صلى الله عليه وآله وسلم؛ لأن قوله: لا نبي بعدي، يقتضي بظاهرة استثناء النبوة بعد موته، فيقتضي ذلك ثبوت هذه المنازل بعد موته عليه السلام لتطابق الكلام، وليس لأحد أن يحمله على أنه أراد به، إلا أنه لا نبي بعد نبوتي؛ لأن هذا خلاف الظاهر كما أن القائل إذا قال: إن هذه الدار لفلان بعدي أفاد ذلك ثبوتها بعد موته، ولم يجز أن يحمل على أنها بعد سكناه أو بعد دخوله، وهذا بين لمن أنصف.
والثاني: أن الخبر إذا اقتضى ثبوت هذه المنازل لعلي عليه السلام كما سبق بيانه وجب ثبوتها بعد موت النبي صلى الله عليه وآله وسلم، والقول بثبوتها له في حالة حياة النبي صلى الله عليه وآله دونما بعد موته يكون خرقاً للإجماع، فلا يجوز، وقد قيل أيضاً أن الأمة مجمعة على أن هارون لو بقى بعد موسى عليه السلام لكان أولى الخلق بالتصرف في أمته، فيجب أن نثبت هذه المنزلة لأمير المؤمنين علي عليه السلام.
ومنها: إن قيل لو عاش هارون تقديراً بعد موسى فلسنا نعلم أن هذا التصرف كان موكلاً إليه كما كان إلى موسى عليه السلام، فلعله كان يصير الأمر إلى غيره، لو صار هذا التصرف إليه، فلا علم لنا أنه كان يصير إليه على طريقة الخلافة من موسى عليه السلام بل كان يتصرف بحكم النبوة فيكون استثناء النبوة مزيلاً لهذا التصرف التابع لها.
والجواب: عما ذكره أولاً ما سبق في الوجهين الأولين من أن قوله صلى الله عليه وآله وسلم: ((إلا أنه لا نبي بعدي)) يقتضي ثبوت هذه المنازل لعلي عليه السلام بعد موته صلى الله عليه وآله وسلم.
والثاني: إجماع من أثبت هذه المنازل على ثبوتها لعلي عليه السلام بعد موت النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وقد ورد عن السيد أبي طالب عليه السلام في كتاب الدعامة أنه حكى إجماع الأمة على أن هارون لو بقى بعد موت موسى عليه السلام لكان أولى الخلق بمقامه، والتصرف في أمته فثبت ذلك لعلي عليه السلام.
فأما ما ذكره ثانياً من قوله: ولو ثبت هذا التصرف لهارون لكان إنما ثبت بحكم النبوة دون الخلافة من موسى.
فالجواب: أنه متى ثبت لعلي عليه السلام ما تقدم ذكره من الشركة في أمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم، والخلافة على أمته بمقتضى الخبر على ما تقدم بيانه ثبت ذلك له بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم على طريق النيابة، والإستفادة من إثبات النبي ذلك له لما ذكرناه من إجماع من قال بذلك.
وليس يجب إذا كان ثابتاً لهارون عليه السلام تبعاً لنبوته إن ثبت ذلك لعلي عليه السلام بهذا الطريق لما بيناه من أن الإشتراك في حكم من الأحكام لا يقتضي الإشتراك في سببه وطريقه كما تقدم القول فيه.