أحدها: قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ((الحسن والحسين إمامان قاما أو قعدا، وأبوهما خير منهما)) وهذا نص صريح، ودليل واضح، وارد فيهما بلفظ الإمامة، وهذا الخبر مما ظهر بين الأمة واشتهر، وتلقته بالقبول، ولم ينكره ولا جحده أحد ممن يعول عليه من علماء الإسلام، بل هم بين مستدل به، وبين متأول له، والعترة مجمعة على صحته أيضاً، وإجماعهم حجة واجبة الاتباع كما تقدم، ولا يقدح في الخبر قول من قال أنه لو صح كونه دليلاً على إمامتهما عليهما السلام لكان دليلاً على ثبوتها لهما في زمن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وفي زمن أبيهما عليهما السلام، وفي زمن الحسن للحسين عليهما السلام، لأنا أخرجنا زمن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولا كان لهما مع أبيهما أمر، ولا كان للحسين مع الحسين أمر، فبقي ما عدا ثابتاً داخلاً تحت النص، فثبت الوجه الأول.
الوجه الثاني: أن العترة مجمعة على أن الإمام بعد علي عليه السلام هو ولده الحسن، ثم ولده الحسين بعده عليهما السلام من غير فضل بينهم، على هذا الترتيب، وإجماعهم على ذلك معلوم، وقد ثبت[106]أن إجماعهم حجة واجبة الاتباع كما تقدم، فيثبت الوجه الثاني.
الوجه الثالث: أن كل واحدٍ منهما عليهما السلام قام ودعا وهو جامع لخصال الإمامة، وتابعه أهل الفضل من العترة وغيرهم من المؤمنين، ولم يكن في زمنهما من يدعي الإمامة إلا معاوية وولده يزيد لعنهما الله تعالى، ولا حظ لهما في ذلك فثبت الموضع الأول، وهو في إمامة الحسن والحسين عليهما السلام.
وأما الموضع الثاني وهو في حصر الإمامة بعدهما في أبنائهما، وأنهم معدن الإمامة ومنصبها دون غيرهم، فالكلام منه يقع في ثلاثة مواضع:
أحدها: في حكاية المذهب والخلاف.
والثاني: في الدليل على صحة ما ذهبنا إليه، وفساد ما ذهب إليه المخالف.
والثالث: في إبطال أقوال المخالفين.
أما الموضع الأول وهو في حكاية المذهب والخلاف، فذهب المخلصون من الزيدية إلى أن الإمامة محصورة بعد الحسن والحسين عليهما السلام فيمن رجع بنسبه من قبل أبيه إليهما، وأنها لا تجوز فيمن عداهم، وأن طريقها الدعوة عند تكامل شروطها في الداعي، وذهبت المعتزلة إلى أنها جائزة في جميع قريش، وأن طريقها العقد والاختيار والبيعة، وذهبت الخوارج ومن قال بقولها إلى أنها جائزة في جميع الناس، وذهبت الإمامية أنها محصورة في جماعة من ولد الحسين، والطريق إليها هو النص من النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وذهب ابن الراوندي وأتباعه إلى أن طريقها الإرث، وذهب الجاحظ ومن تابعه إلى أنها جزاء على الأعمال، وذهبت الحشوية إلى أن طريقها القهر والغلبة، فثبت الموضع الأول، وهو في حكاية المذهب والخلاف.
وأما الموضع الثاني وهو في الدليل على صحة ما ذهبنا إليه وفساد ما ذهب إليه المحالف، والذي يدل على ذلك وجهان:
أحدهما: أن الأمة أجمعت على جوازها في البطنين بعد بطلان قول أصحاب النص، وتحقيق ذلك أن من أجازها في سائر الناس فقد أجازها فيهم؛ لأنهم من الناس بل هم من خير الناس، ومن أجازها في قريش فقد أجازها فيهم؛ لأنهم من قريش، بل هم من خير قريش، ومن أجازها فيهم وحدهم فهذا آخذ بموضع الإجماع، فقد وقع الإجماع عليهم، والاختلاف على أحد البطنين دون الآخر، ولابد من الكلام في الموضع الثالث على إبطال قول أصحاب النص بمشيئة الله، فثبت الوجه الأول.