وبقيت يا مغرور في الدنيا لم تحظا بطائل
هذا الجزاء بذا فعدلهم ما أنت قائل
فهذه القصة مذكورة في نسخة المناقب، وهي لنا مسموعة -أعني القصة هذه-.
وروينا عن عبد الله بن عمرو الخزاعي، عن هند ابنة الجون قالت: نزل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خيمة أم معبد ومعه أصحاب له، وكان من أمره في الشاة ما قد علمه الناس فقال في الخيمة هو وأصحابه حتى بردوا، وكان يوماً قايضاً شديداً حره، فلما قام من رقدته دعا بماء فغسل يديه فأنقاهما، ثم مضمض فاه ومجه إلى عوسجة كانت إلى جنب خيمة خالية، فلما كان من الغد أصبحنا وقد غلظت العوسجة حتى صارت أعظم دوحة عادية رأيتها، وشذب والله شوكها، وساحت عروقها، واخضر ساقها وورقها، ثم أثمرت بعد ذلك وأينعت بثمر أعظم ما يكون من الكماة في لون الورس المسحوق، ورائحته العنبر، والشهد طعمه، والله ما أكل منها جائع إلا شبع، ولا ظمآن إلا روي، ولا سقيم إلا عوفي، ولا أكل من ورقها بعير ولا ناقة ولا شاة إلا در لبنها، ورأينا النما والبركة في أموالنا منذ نزل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، واخصبت بلادنا وأمرعت، فكنا نسمي تلك الشجرة المباركة، وكان من ينتابنا من حولنا من البوادي يستشفعون بها، ويبردون من ورقها ويحملونها معهم في الأرض القفار، فتقوم لهم مقام الطعام والشراب، فلم تزل كذلك وعلي ذلك حتى أصبحنا ذات يوم وقد تساقط ثمرها، وصفر ورقها فحزنا لذلك وفزعنا له، فما كان إلا قليلاً حتى جاء نعي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فإذا هو قد قبض في ذلك اليوم، وكانت بعد ذلك تثمر دونه في الطعم والعظم والرائحة، وأقامت على ذلك ثلاثين سنة، فلما كان ذات يوم أصبحنا فإذا بها قد أشوكت من أولها إلى آخرها، وذهبت نظارة عيدانها، وتساقط جميع ثمرها، فما كان إلا يسيراً حتى وافانا مقتل أمير المؤمنين عليه السلام، فما أثمرت بعد ذلك قليلاً ولا كثيراً، وانقطع ثمرها، ولم يزل من حولنا يأخذ من ورقها، ونداوي به مرضانا، ونستشفي به من أسقامنا، فأقامت على ذلك مدة[105] وبرهة طويلة، ثم أصبحنا فإذا بها يوماً قد نبعت من ساقها دم غبيط حار، وورقها ذابل يقطر ماء كما اللحم، فعلمنا أن قد حدث حدث عظيم، فيبينا نحن فزعين مهمومين نتوقع الداهية، فأتانا بعد ذلك قتل الحسين بن علي عليهما السلام، ويبست الشجرة، وجفت وكسرتها الرياح، والأمطار بعد ذلك، فذهبت واندرس أصلها.
قال محمد بن سهل وهو من رواة الحديث: فلقيت دعبل بن علي الخزاعي بمدينة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم فحدثته بهذا الحديث، فقال: حدثني أبي عن جدي، عن أمه سعدى بنت مالك الخزاعية أنها أدركت تلك الشجرة، وأكلت من ثمرتها على عهد أمير المؤمنين عليه السلام، قال دعبل فقلت قصيدتي:
|
زر خير قبرٍ بالعراق يزار |
واعص الحمار فمن نهاك حمار
لم لا أزورك يا حسين لك الفدى
نفسي ومن عطفت عليه يزار