قال: كنت مؤذن القوم، وكنت إذا أصبحت ألعن علياً ألف مرة بين الأذان والإقامة، قال: فخرجت من المسجد، ودخلت داري هذه وهو يوم جمعة، وقد لعنته أربعة آلاف مرة، ولعنت أولاده فاتكيت على الدكان فذهب بي النوم فرأيت في منامي كأنما أنا بالجنة وقد أقبلت، فإذا علي فيها متكى والحسن والحسين متكئين بعضهم ببعض مسرورين، بجنبهم مصلتات من نور، وإذا أنا برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم جالس والحسن والحسين قدامه، وبيد الحسن كأس فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: اسقني فشرب ثم قال للحسن: اسق أباك علياً، فشرب ثم قال للحسن: اسق الجماعة فشربوا، ثم قال: اسق المتكي على الدكان، فولى الحسن بوجهه عني، وقال: يا أبة كيف أسقيه وهو يلعن أبي في كل يوم ألف مرة، وقد لعنه اليوم أربعة آلاف مرة، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: مالك لعنك الله تلعن علياً وتشتم أخي، لعنك الله وتشتم أولادي الحسن والحسين، ثم بصق النبي صلى الله عليه وآله وسلم فملأ وجهي وجسدي، فانتبهت من منامي ووجدت موضع البصاق الذي أصابني من بصاق النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد مسخ كما ترى، وصرت آية للسائلين، ثم قال: يا سليمان سمعت في فضائل علي عليه السلام أعجب وأفضل من هذين الحديثين، يا سليمان حب علي إيمان وبغضه نفاق، لا يحب علي إلا مؤمن ولا يبغضه إلا كافر، فقلت: يا أمير المؤمنين، الأمان، قال: لك الأمان، قال: قلت فما ترى يا أمير المؤمنين فيمن قتل هؤلاء؟

قال: في النار لا شك؟

قال قلت: فما تقول فيمن قتل أولادهم وأولاد أولادهم؟

قال: فنكس رأسه، ثم قال: يا سليمان الملك عقيم، ولكن حدث عن فضائل عليَّ بما شئت.

قال قلت: فمن قتل ولده فهو في النار.

قال عمرو بن عبيد: صدقت يا سليمان، الويل لمن قتل ولده.

فقال المنصور: يا عمرو أشهد عليه أنه في النار، فقال عمرو: أخبرني الشيخ الصدق يعني الحسن عن أنس أن من قتل أولاد علي لا يشم رائحة الجنة، قال: فوجدت أبا جعفر وقد خمص وجهه، قال: وخرجنا فقال أبو جعفر: لولا مكان عمرو ما خرج سليمان إلا مقتولاً.

قال علي بن محمد بن الشرفية: حضر عندي في دكان بالوارقين بواسط يوم الجمعة خامس ذي القعدة من سنة ثمانين وخمسمائة القاضي العدل، جمال الدين نعمة الله علي بن أحمد بن العطار، وحضر أيضاً عندي الأمير شرف الدين أبي شجاع بن العنبري الشاعر، فسأل شرف الدين القاضي جمال الدين أن يسمعنا المناقب، فابتدأ بالقراءة عليه من نسختي التي في دكاني يومئذٍ وهو يرويها عن جده لامة العدل المعمر أبو عبد الله بن علي المغازلي عن أبيه المصنف فهماً في القراءة، وقد اجتمع عليهما جماعة إذ اجتاز أبو نصر بن قاضي العراق وأبو العباس بن رتيقة وهما ينبزان بالعدالة فوقعا يغوغيان وينكران عليه قراءة المناقب، وأطنب ابن القاضي العراق في التهزي والمجون، وقال في جملة مقالته على طريق الاستهزاء: قاضي اجعل لنا وظيفة كل يوم جمعة بعد الصلاة تسمعنا شيئاً في هذه المناقب في مسجد الجامع، فقال لهم القاضي نعمة الله العطار: ما أنتما من أهلها أنتما قد حضرتما[104] في درب الخطب، وذكرتما أن علياً عليه السلام ما كان يعرف سورة واحدة من كتاب الله تعالى، والمناقب تتضمن أنه ما كان في الصحابة أقرأ من علي بن أبي طالب عليه السلام، فما أنتما من أهلها، فأكثر الغوغاء والتهزي، فضجر القاضي نعمة الله بن العطار، وقال بمحضر جماعة كانوا وقوف: اللهم إن كان لأهل بيت نبيك عندك حرمة ومنزلة فاخسف به داره، وعجل نكايته، فبات ليلته تلك، وفي صبحة يوم السبت سادس ذي القعدة من سنة ثمانين وخمسمائة خسف الله تعالى بداره، فوقعت هي والقنطرة وجميع المسناة إلى دجلة، وتلف منها فيها جميع ما كان يملك من مال وأثاث وقماش، فكانت هذه المنقبة من أطرف ما شوهد يومئذٍ من مناقب آل محمد صلوات الله عليهم، فقال علي بن محمد بن الشرفية في ذلك اليوم في المعنى:

ياأيها العدل الذي هو عن طريق الحق عادل
متنحياً سبل الهدى وإلى سبيل الغي مائل
أبمثل هذا البيت يا مغرور ويحك أنت هازل
دع عنك أسباب الخلاعة واستمع مني الدلائل

بالأمس حيث جحدت من أفضالهم  بعض الفضائل
وجريت في ستر التمرد لست تسمع عدل عادل
نزل القضاء على ديارك في صباحك شر نازل
أضحت ديارك سابحات في الثرى خسف الزلازل

103 / 292
ع
En
A+
A-