ومنها: أن قيل أنه أثبت منزلة واحدة وليس لفظها لفظ العموم.

والجواب عن ذلك أن العموم على ضربين عموم لفظ وعموم معنى، ونحن نسلم أن المنزلة ليست من ألفاظ العموم. وأما أن معناه العموم لجميع الأمور التي كانت لهارون من موسى، فلا بد من ذلك وإلا كان الاستثناء باطلاً، فإن القول بأن الاستثناء مما لا يعلم لفظاً لا يصح، ولا شك أن المنزلة يدخل تحتها معنى يشتمل على أمور مختلفة، ولهذا يقولون منزلة فلان من الملك كذا وكذا.

ومنها: أن قيل أن هذا التشبيه يوجب أن تكون هذه الأحكام إلى الأئمة ثابتة في شرع موسى وهارون عليهما السلام، نحو إقامة الحدود وما يجري مجراها، وأنها تكون إلى الأنبياء وإلى الأئمة، وان الأئمة كانوا يخلفون الأنبياء في إقامة هذه الحكام، ومن الجائز أن لا يكون شيئاً من ذلك.

والجواب على ذلك أنه لا حاجة بنا إلى معرفة ذلك، بل يكفينا أن نعلم أن علياً عليه السلام كان شريكاً في أمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وخليفة على أمته كما كان هارون شريكاً في أمر موسى عليهما السلام وخليفة على أمته، وذلك يوجب أن نثبت لعلي عليه السلام جميع ما ثبت للنبي صلى الله عليه وآله وسلم إلا النبوة كما اقتضاه الخبر[9] فيكون له تنفيذ هذه الأحكام والإختصاص بها، سواء كان ذلك في شريعة موسى عليه السلام أو لم يكن، وسواء كان ذلك مما يختص به الأنبياء والأئمة أو لا.

كما أنه إذا قال قائل أن زيد شريك في مالي كما أن عمر كان شريكاً لأخي فلان في ماله كان هذا القول يقتضي أن يكون لزيد مثل ما كان لهذا المتكلم من التصرف في ماله، ولا يجب لأجل ذلك أن يكون ماله من جنس مال أخيه الذي كان عمر شريكاً له.

ومنها: أن قيل هذا يوجب أن يكون استخلاف هارون ثابتاً من جهة موسى حتى يكون ذلك ثابتاً لعلي عليه السلام وليس كذلك؛ لأن تصرف هارون كان بحكم النبوة، وإنما كان من موسى تأكيداً للحال في أمره، فيكون ذلك متناقضاً؛ لأن كونه شريكاً يقتضي أن يفعل ما لموسى أن يفعله، وكونه خليفة يقتضي تصرفه عن إذن موسى عليه السلام.

والجواب عن ذلك من وجهين:

أحدهما: أن يقول أن الرد علينا بما ذكره المتعرضين في ذلك من التناقض ليس برد علينا، بل هو رد على الله تعالى؛ لأن الله تعالى قد أخبر بالشركة، وبأنه خليفة له، ثم إنا لا نحتاج إلى ما قاله بل يكفينا أن نعلم أن علياً عليه السلام يجب أن يكون شريكاً للنبي صلى الله عليه وآله وسلم في أمره وخليفة على أمته، كما تقدم بيانه، كما كان ذلك ثابتاً لهارون عليه السلام مع موسى، سواء كان ثبوت ذلك لهارون عليه السلام كما أن القائل إذا قال: فلان شريكي في هذه الدار كما أن زيداً شريك لعمرو في داره، فإن هذا القول يفيد الشركة في الدار ولا يفيد اثبات  الشركة حتى أن الشركة في دار هذا القائل لو ثبتت من جهته فإن وهب بعض داره لمن ذكر اسمه، والشركة في الدار الأخرى بين زيد وعمرو ثبتت بطريق متساوية بان يرثاها معاً لم يقدح ذلك في ثبوت الشركة بين الجميع، وكان التمثيل صادقاً في نفس الشركة وإن اختلف أسبابها.

كذلك ما نحن فيه يجب أن نثبت الشركة لأمير المؤمنين عليه السلام في أمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم كما ثبت من موسى وهارون عليهما السلام، ولا يقدح في ذلك اختلاف الأسباب.

والثاني: أن ظاهر القرآن ينطق أن أمر هارون في وزارته، وشدة الأزر وشركته في الأمر يثبت بسؤال موسى عليه السلام بقوله: {وَاجْعَلْ لِي وَزِيراً مِنْ أَهْلِي، هَارُونَ أَخِي، اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي، وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي} إلى قوله تعالى: {قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يَامُوسَى}.

10 / 292
ع
En
A+
A-