وروينا أن معاوية لعنه الله خرج يوماً والحسن بن علي عنده فقال: أنا ابن بطحاء مكة، أنا ابن أغزرها جوداً، وأكرمها جدوداً، أنا ابن من ساد قريشاً فضلاً ناشئاً وكهلاً.
فقال الحسن بن علي عليه السلام: عليَّ تفخر يا معاوية أنا ابن عروق الثراء، أنا ابن مأوى التقى، أنا ابن من جاء بالهدى، أنا ابن من ساد أهل الدنيا بالفضل السابق، والجود الرائق، والحسب الفائق، أنا بن من طاعته طاعة الله، ومعصيته معصية الله، فهل لك أب كأبي تباهيني به، وقديم كقديمي تساميني به قل: نعم أو لا، فقال معاوية: بل أقول لا وهي لك تصديق.
فقال الحسن:
|
الحق أبلج ما يحيل([28])
سبيله |
والحق يعرفه ذووا الألباب
ويروى عن يونس بن عبيد أن أبا أمامة الباهلي، وهو: الصُدر بن عجلان: دخل على معاوية فألطفه، وأدناه، ثم دعا بغداء، فجعل يطعم أبا أمامة بيده، ثم أوسع رأسه ولحيته طيباً بيده، ثم أمر ببدرة دنانير فأتى بها فدفعها إليه، ثم قال: يا أبا أمامة سألتك بالله: أنا خير أم علي بن أبي طالب. فقال أيو أمامة: والله لا كذبت ولا بغير الله سألتني لصدقت: علي بن أبي طالب، والله خير منك وأكرم، وأقدم هجرة، وأقرب من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قرابة، وأشد في المشركين نكاية، وأعظم على المسلمين مِنَّة وأعظم غناءً عن الأمة منك يا معاوية أتدري ويلك من علي بن أبي طالب عليه السلام. علي ابن عم محمد رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم، وزوج ابنته فاطمة: سيدة نساء العالمين، وأبو الحسن والحسين: سيدا شباب أهل الجنة، وابن أخي حمزة: سيد الشهداء، وأخو جعفر: ذو الجناحين الطيار مع الملائكة في الجنة [25 ب-ب] فأين تقع أنت يا معاوية من هذا، ويل أفظننت أني سأخيرك على علي بن أبي طالب بإلطافك وإطعامك ومالك فادخل عليك مؤمناً، وأخرج منك كافراً بئس ما سوَّلت لك نفسك يا معاوية، ثم نفض ثوبه وخرج من عنده فأتبعه معاوية بالمال فقال: لا والله ولا أواري منه ديناراً أبداً.
وروينا عن زيد بن علي عليه السلام: أنه قال كنت أماري هشام بن عبد الملك، وأكابره في قريش فدخلت عليه يوماً فذكر بني أمية فقال: هم أشد قريش أركاناً وأشد قريش مكاناً، وأشد قريش سلطاناً، وأكثر قريش أعواناً، وكانوا رؤس قريش في جاهليتها وملوكها في إسلامها.
فقلت: على من تفخر؟ على هاشم أول من أطعم الطعام، وضرب الهام، وخضعت له قريش بإرغام أم على عبد المطلب سيد مضر جميعاً فإن قلت معدٍ كلها صدقت، إذا ركب مشوا، وإذا انتعل [34 ب - أ ] احتفوا وإذا تكلم سكتوا.
وكان يطعم الوحش في رؤوس الجبال، والطير والسباع، والإنس في السهل، حافر زمزم، وساقي الحجيج، وربيع العمرتين أم على بنيه أشرف رجال، أم على سيد ولد آدم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حمله الله تعالى على البراق، وجعل الجنة بيمينه والنار بشماله، فمن تبعه دخل الجنة، ومن تأخر عنه دخل النار، أم على أمير المؤمنين، وسيد الوصيين علي بن أبي طالب أخي الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وابن عمه المُفرِّج الكرب عنه، وأول من قال لا إله إلا الله محمد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بعد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم؛ لم يبارزه فارس قط إلا قتله؛ وقال فيه رسول الله –صلى الله عليه وآله وسلم- ما لم يقله لأحد من أصحابه، ولا لأحد من أهل بيته قال: فأحمر وجهه وبهت.