قال: فطلقت طلقة فولدت غلاماً مسروراً نظيفاً منظفاً لم أر كحسن وجهه فسماه أبو طالب علياً، وحمله النبي صلى الله عليه وآله وسلم حتى أداه إلى منزلها.

 قال علي بن الحسين عليه السلام: فو الله ما سمعت بشيئ قط إلا وهذا أحسن منه، فأمير المؤمنين عليه السلام، ولد طاهراً من نسل طاهر، وضع في أشرف البقاع وأفضلها فهذا في نهاية الفضل، ولا شركة للقوم فيه أليس أشرف البقاع الحرم، وأشرف الحرم المسجد، وأشرف بقاع المسجد الكعبة التي هي أول بيت وضع للناس طهره الله للطائفين والعاكفين، وهو للعرب فخر، وللعرب والعجم قبله قاسه جبريل وبناه إبراهيم صلى الله عليه، وأدى إليه إسماعيل عليه السلام فولد عليه السلام في الكعبة كما قدمنا سنة ثلاثين من عام الفيل، يوم الجمعة الثالث عشر من رجب، ولم يولد قبله ولا بعده في بيت الحرام سواه فضلاً من الله، وشرفاً له عليه السلام.

وقيل: لما خاف آدم عليه الصلاة والسلام الشيطان استعاذ بالله تعالى فبعث الله تعالى ملائكة حفوا بمكة من كل جانب فوقفوا من جوانبها، فأوقف الله تعالى الحرم من حيث كانت الملائكة وقفت؛ وعن وهب بن منبه: أن آدم عليه السلام بكى واشتد حزنه فبعث الله تعالى بخيمة من خيام الجنة وضعها له بمكة في موضع الكعبة، وهي ياقوتة حمراء فالركن يومئذٍ نجم من نجومه، فكان ضوء ذلك النور ينتهي إلى مواضع الحرم.

وقيل: لما فرغ آدم عليه السلام من المناسك جاء جبريل عليه السلام بياقوتة حمراء، وحلق شعره فطار شعره حتى بلغ أطراف الحرم، وجال حولها فجعل الله تعالى ذلك القدر حرماً فمن يكون ذلك مسقط رأسه في أشرف المواضع كلها مع اختيار الله تعالى لذلك، وكونه[39 - ج] سقط فيه عن غير اختيار من أمه رحمة الله عليها، كيف لا يكون في غاية الشرف والفضل:

ثم أبوه كافل الرسول
في قول أهل العلم والتحصيل

 

ومؤمن بالله والتنزيل
فهات في آبائهم كقيلي

أبوه عليه السلام أبو طالب بن عبد المطلب بن هاشم، وهو الذي كفل رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم، صغيراً، ونصره كبيراً لأن أباه عبد الله مات، وهو حمل، أوله أربعةُ أشهر ثم ماتت أمه وله: أربع سنين ثم مات جده عبد المطلب، وله: ست سنين، وكان عبد الله، وأبو طالب أخوين من أم واحدة؛ فأخذه أبو طالب، وربته امرأته [فاطمة بنت أسد رحمها الله]، وكان يقول لأولاده في اللبن الذي كانوا يشربون لا تشربوا حتى يشرب محمد أولاً، فكان إذا شرب قبلهم كفاهم ما بقى وإذا لم يشرب لم يكفهم وكذلك في الطعام.

وروينا عن السيد أبي طالب رفعه إلى الحسن بن الحسن عن آبائه عليهم السلام قال: كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا أخذ مضجعه، وعرف مكانه تركه أبو طالب فإذا نامت العيون جاء إليه، وأنهضه من فراشه، وأضجع علياً مكانه فقال علي: يا أبتاه إني مقتول ذات ليلة فقال أبو طالب:

اصطبر يا علي فالصبر أحجى
قد بلوناك والبلا يسير
لفدا الأغر ذي النسب الثا

65 / 398
ع
En
A+
A-