وروينا من مناقب الفقيه بن المغازلي الواسطي في قوله تعالى {وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ}[التوبة: 100] بالإسناد عن ابن عباس رضي الله عنه في قوله تعالى: {وَالسَّابِقُونَ} قال: سبق يوشع بن نون إلى موسى، وسبق مؤمن آل فرعون وصاحب ياسين وشمعون إلى عيسى، وسبق علي إلى محمد -صلى الله عليه وآله وسلم.

وبالإسناد عن عبد الرحمن بن سعد مولى أبي أيوب الأنصاري قال: قال رسول الله -صلى الله صلى الله عليه وآله وسلم-: ((صلت الملائكة علي وعلى علي سبع سنين، وذلك أنه له يصلي معي أحد غيره))، وبالإسناد عن سعد بن صالح المروزي قال سمعت أبا معمر عباد بن عبد الصمد يقول: سمعت أنس ين مالك يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: ((صلت الملائكة علي وعلى علي سبعاً، وذلك أنه لم يرفع إلى السماء شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمد عبده ورسوله إلا مني ومنه))([14])، وبالإسناد عن سلمان قال: قال: رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ((أول الناس علي ورداً الحوض أولهم إسلاماً علي بن أبي طالب)) ([15]) تمت روايتنا من كتب العامة عن المنصور بالله عليه السلام في الموضع.

والسبق في الإسلام غاية الفضل في الصحابة كما قال تعالى: {وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ، أُوْلَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ}[الواقعة: 10-11]، ولهذا روى عن أبي بكر أنه قال: يا لهفي على ساعة يقدمني فيها بن أبي طالب فلو سبقته لكان لي سابقة الإسلام.

ومن خلال الفضل في إسلامه عليه السلام أنه كان عن فطرة، وإسلام القوم عن كفر، وشتان ما بين ذلك فإن من لم يشرك بالله غيره طرفة عين، ولم يعبد سواه ليس كمن عكف على الأصنام واستقسم بالأزلام، واثبت مع الله شريكاً، ومثل هذا لا يخفى على ذي بصيرة [33 -ج ] فإن قيل إن إسلامه كان إسلام الصبيان، وإسلام أبي بكر عن بصيرة، فالجواب عن ذلك أن هذا سؤال جاهل متجاهل كيف يقول الرسول صلى الله عليه وآله وسلم: ((علي أولكم سلماً )) ما دحا له بذلك، وهو على ما ذكره السائل، وكيف يفتخر عليه السلام به فيقول ((سبقتكم إلى الإسلام طراً)) وهو كذلك بل لو كان إسلامه تقليداً لما صح هذا، وبعد فلو دعاه الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وهو صبي غير كامل العقل لكان هذا طعناً في نبوته إذ كان للكفاران يقولوا بدأ بامرأة وبصبي من أهل بيته لا خيرة له فكان ذلك يقدح في حاله فعلمنا أنه دعاه، وله من العقل ما يميز به بين المعجز والحيلة والتوحيد والشرك.

وقد اختلفت الرواية في سنه عليه السلام، وقت إسلامه فقيل: خمس عشرة سنة عن الحسن وقيل: اثنتي عشر سنة عن أبي الأسود الدؤلي.

قال السيد أبو طالب: وهو الأصح وقيل: احدى عشرة سنة عن شريك.

وقيل: عشر سنين عن مجاهد، وعن الصادق عليه السلام: اثنتي عشر سنة وستة أشهر، وعن غيره عشر سنين وستة أشهر.

وليس بعجيب أن يكون متقدماً في العلم في مثل هذا السن، فإن الأولاد من يكمل على هذا السن، والنساء يبلغن في مثل هذا الأوان، فكيف يكون صغره طعناً على أنه لو أسلم وهو صغير لقضينا بأن الله تعالى أكمل له عقله في ذلك السن معجزة لرسوله صلى الله عليه وآله وسلم وكرامة لأمير المؤمنين لئلا يكون ذلك قادحاً فيما تقدم ذكره، وإن كان الأولى ما تقدم لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد أخبر أنه أول من أسلم وهو أعلم بمن يعتد بإسلامه.

وأيضاً فالمنقول في التواريخ أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: دعا علياً إلى الإسلام فقال: حتى أشاور والدي ثم خطا خطوات، ثم انصرف وأسلم وقال إن الله تعالى بعثك ولم تشاور والدك، وكانت تلك الخُطأ أوقات المهلة للنظر لأنه لو لم يكن مكلفاً ما جاز أن يدعوه النبي صلى الله عليه وآله وسلم كما لم يدع سائر الصبيان.

فإذا كان عليه السلام أول من أسلم، وكان إسلامه عن فطرة لم يتقدمه شرك كما بينا فقد جمع الفضل في ذلك بتقدمه على القوم على هذا الوجه، يزيد ذلك بياناً ما روى عن الإمام ترجمان الدين، خالص اليقين: القاسم بن إبراهيم عليه السلام أنه أسلم اثنان وثلاثون رجلاً، ثم أسلم أبو بكر وكان علي عليه السلام يقول: أسلمت قبل أن يسلم الناس، وقبل أبي بكر بسبع سنين ينوه بذلك على رؤوس الأشهاد.

56 / 398
ع
En
A+
A-