وروينا من كتاب نهج البلاغة من كتاب أمير المؤمنين عليه السلام كتبه إلى مصر، وبعث به إلى الأشتر أما بعد فإن الله تعالى بعث محمداً صلى الله عليه وآله وسلم نذيراً للعالمين، ومهيمناً على المرسلين، فلما مضى صلى الله عليه وآله وسلم تنازع المسلمون الأمر بعده صلى الله عليه وآله وسلم عن أهل بيته فوالله ما كان يُلْقَى في روعي، ولا يخطر على بالي أن العرب تزعج هذا الأمر بعده -صلى الله عليه وآله وسلم -عن أهل بيته، ولا أنهم يمنحونه غيري من بعده، فما راعني إلا إنثيال الناس على فلان - يبايعونه فأمسكت بيدي حتى رأيت راجعت الناس قد رجعت عن الإسلام يدعون إلى محق دين محمد -صلى الله عليه وآله وسلم –فخشيت إن لم أنصر الإسلام وأهله أن أرى فيهم ثُلْماً أو هدماً تكون المصيبة به علَّي أعظم من فوت ولايتكم التي هي متاع أيام قلائل يزول منها ما زال، كما يزول السراب، أو كما ينقشع السحاب فنهضت في تلك الأحداث حتى زاح الباطل، وزهق واطمأن الدين وتنهنه (تم كلامه عليه السلام).
قال المنصور بالله عليه السلام: وهذه أمنا فاطمة بصفة النبوة وسيدة نساء أهل الجنة تقول ما رواه السيد أبو العباس الحسني قال حدثنا: محمد بن بهار الكوفي عن عبد الرحيم عن محمد بن علي الهاشمي عن عيسى بن عبد الله عن أبيه عن جده عن علي عليه السلام قال: لما حضرت فاطمةالوفاة قالت لعلي عليه السلام: اتنفذ وصيتي وعهدي أو والله لأعهدن إلى غيرك ثم سرد حديث الوصية وهلي معلومة عند الذرية الزكية، قال فلما اشتدت علتها اجتمع إليها نساء المهاجرين والأنصار ذا صباح فقلن: كيف أصبحت يا ابنة رسول الله من علتك قالت: أصبحت والله عائفة لدنياكم، قالية لرجالكم، شنتيهم بعد أن سبرتهم، ولفظتهم بعد إذا عجمتهم فقبحاً لقلول الجد وخور القناة، وخطل الرأي، وبئس ما قدمت لهم أنفسهم أن سخط الله عليهم، وفي العذاب هم خالدون، ويحهم لقد زحرجوها عن رواسي الرسالة، وقواعد النبوة، ومهبط الروح الأمين، والطيبين لأهل الدنيا والدين ألا ذلك هو الخسران المبين، وما نقموا والله من أبي حسن نقموا نكير سيفه، ونكال، وقعته وشدة وطأته وتنمره في ذات الله، والله لو تكافوا على زمام نبذهُ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لاعتقله، ولسار بهم سيراً سجحاً لا ينكلم خشاشة، ولا يتتعتع راكبه، ولأوردهم مورداً نميراً، تمير ضفَّتاه، ولأصدرهم بطاناً اقد تخيرهم الري غير متحلي منه بطائل، إلا بغمزة الناهر، وردعة سورة الساغب [تفسير الغمرة الكثير من الماء، والنهز الضرب يقال نهز الدلو --- إذا ضرب بها الماء يمتلي والردعة الرجل الشديد، وسورة الساغب هاهنا العطشان]، ولفتحت عليهم بركات من السماء والأرض ولكن كذبوا وسيعذبهم الله بما كانوا يكسبون إلا هلمنَّ فاسمعنَّ، وما عشتن أراكنَّ الدهر عجباً، إلى أي ركن لجاؤا، وبأي عروة تمسكوا، لبئس المولى ولبئس العشير، وبئسٍ للظالمين بدلاً استدلوا والله الذنابي بالقوادم، والعجز بالكاهل[27-ج] وبعداً وسحقاً لقوم يحسبون أنهم يحسنون صنعا ألا إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون.
قال عليه السلام فهذا قول فاطمة عليها السلام التي لقيت عليه الله سبحانه وتعالى، ولما استقر الأمر لعلي عليه السلام انتصب للخلافة اللعين ابن اللعين بن آكلة الأكباد معاوية لعنه الله، ولبَّس على العوام أنه يريد أن يأخذ بثأر عثمان، وكاتب عليّاً عليه السلام بكتاب يقول فيه: أما بعد فإن الله اصطفى محمداً وجعله الأمين على وحيه، والرسول إلى خلقه واختار له من المسلمين أعواناً أيده الله بهم، وكانوا في منازلهم عنده على قدر فضائلهم في الإسلام، فكان أفضلهم في الإسلام، وأنصحهم لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الخليفة وخليفة الخليفة والخليفة الثالث فكلهم حسدَّتَّ وعلى كلهم بغيت، عرفنا ذلك في نظرك الشزر، وتنفسك الصعدا وإبطائك عن الخلفاء، وأنت في ذلك تُقَادُ كما يُقَاُد الجمل المخشوش، حتى تبايع كارهاً، ولم تكن لأحد منهم بأشد حسداً منك لابن عمك عثمان، وكان أحقَّهم أن لا يفعل به ذلك في قرابته وصهره، فقطعت رحمه وقبَّحت محاسنه، وألبَّت عليه الناس حتى ضربت عليه آباط الإبل، وشهر عليه السلاح في حرم رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم - فقتل معك في المحلة، وأنت تسمع الهايعة في داره لا تؤدي عن نفسك في أمره بقول ولا فعل، فاقسم قسماً صادقاً لو قمت في أمره مقاماً واحداً انتهى الناس عنه، ما عدل بك من قبلنا من الناس أحد ولمحى ذلك عنك ما كانوا يعرفونك به من المجانبة لعثمان والبغي عليه، وأخرى أنت بها عند أولياء عثمان ظنين، أبو إيواءك قتلته فهم بطانتك، وعضدك وأنصارك، وقد بلغني أنك تنتفي من دمه، فإن كان ذلك حقاً فأدفع إلينا قتلته نقتلهم، ثم نحن أسرع الناس إليك، وإلا فليس لك ولا لأصحابك عندنا إلا السيف، والذي نفس معاوية بيده لأطلبن قتلة عثمان في الجبال، والرمال والبر والبحر حتى أقتلهم، أو ألحق روحي بالله فأجابه عليه السلام بجواب فيه:
أما بعد فإن أخا خولان قدم عليَّ بكتاب منك تذكر فيه محمداً صلى الله عليه وآله وسلم وما أنعم عليه به من الهدى والوحي فالحمد لله الذي صدقه الوعد، وتمم له النصر، وبسط له في البلاد وأظهره على الأعاد من قومه الذين أظهروا له التكذيب ونادوه بالعداوة، وظاهروا على إخراجه وإخراج أصحابه وألبَّوا عليه العرب، وحزَّبوا عليه الأحزاب، حتى جاء الحق، وظهر أمر الله وهم كارهون وذكرت أن الله اختار له من المسلمين أعواناً أيده الله بهم، وكانوا في منازلهم عنده على قدر فضائلهم في الإسلام فكان أفضلهم بزعمك في الإسلام، وأنصحهم لله ولرسوله الخليفة وخليفة الخليفة والخليفة الثالث.
ولعَمْري إن مكانهم في الإسلام لعظيم، وذكرت أن عثمان في الفضل كان الثالث فإن كان محسناً فسيلقى رباً شكوراً يضعف له الحسنات، ويجزيه الثواب العظيم وإن يك مسيئاً فسيلقى رباً غفوراً لا يتعاظمه ذنب يغفره.
ولعمري إني لأرجو الله إذا تعالى إذا أعطي الله الناس على قدر عنايتهم في الإسلام أن يكون سهمنا أهل البيت أوفر نصيب أهل البيت من المسلمين، ما رأيتُ ولا سمعتُ بأحد كان أنصح لله في طاعة رسول الله، ولا أنصح لرسول الله في طاعة الله، ولا أصبر على البلاء، وأركب في مواطن الخوف من هؤلاء النفر من أهل بيته عبيدة بن الحارث يوم بدر، وحمزة يوم أحد، وجعفر وزيد يوم مؤتة، ومن المهاجرين خير كبير جزاهم الله تعالى بأحسن أعمالهم، وذكرت إبطائي عن الخلفاء وحسدي إياهم والبغي عليهم فأما البغي فمعاذ الله أن يكون [28 -ج].
وأما الكراهة لهم فوالله ما أعتذرُ إلي الناس من ذلك.
وذكرت بغي على عثمان، وقطعي رحمه فقد عمل عثمان ما عملت، وعمل الناس ما بلغك، وقد علمت أني كنت من أمره في عزلة، إلا أن تجنا فتجنى ما شئت؛ وأما ذكرك لقتلة عثمان وما سألت من دفعهم إليك فإني نظرت في هذا الأمر فضربت أنفعه وعينيه فلم يسعني دفعهم إليك ولا إلى غيرك ولئن لم تنزع عن غيك وشقاقك لتعرفنهم عما قليل يطلبونك فلا يكلفونك تطلبهم في سهل ولا جبل ولا بر ولا بحر، وقد كان أبوك أبو سفيان أتاني حين قبض رسول الله –صلى الله عليه وآله وسلم -: وقال أبسط يدك أبايعك فأنت أحق الناس بهذا الأمر، فكرهت ذلك عليه مخافة الفرقة بين المسلمين لقرب عهد الناس بالكفر، فأبوك كان أعلم الناس بحقي منك فإن تعرف من حقي ما كان أبوك يعرف تصب رشدك وإلا فإني أستعين الله عليك والسلام.
ومن كتاب له عليه السلام إلى معاوية: أما بعد.
فقد أتاني كتابك تذكر اصطفاء الله محمداً صلى الله عليه وآله وسلم لدينه وتأييده بمن أيده من أصحابه، فلقد خبَّاء لنا الدهر منك عجباً، إذا طفقت تخبرنا بابتلاء الله عندنا، ونعمته علينا في نبينا، فكنت في ذلك كناقل التمر إلى هجر، وداعي مسددة إلى النضال، وزعمت أن أفضل الناس في الإسلام فلان وفلان فذكرت أمراً إن تم اعتزلك كله، وإن نقص لم يلحقك ثلمهُ، وما أنت والفاضل والمفضول، والسايس والمسوس، وما للطلقاء وأبناء الطلقاء، والتمييز بين المهاجرين الأولين وترتيب درجاتهم، وتعريف طبقاتهم هيهات لقد حنَّ قِدْح ليس منها، وطفق يحكم فيها من عليه الحكم لها إلا تربع أيها الإنسان على طلعك، وتعرف قصور ذرعك، وتتأخر حيث أخرك القدر، فما عليك غلبة المغلوب، ولا لك ظفر الظافر، وإنك لذهَّاب في التيه، ورواغ عن القصد ألا ترى غير مخبر لك لكن بنعمة الله أحدث أن قوماً استشهدوا في سبيل الله من المهاجرين، ولكلٍ فضل حتى إذا استشهد شهيدنا قيل سيد الشهداء، وخصه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بسبعين تكبيرة عند صلواته عليه ألا ترى أن قوماً قطعت أيديهم في سبيل الله ولكلٍ فضل حتى إذا فعل بواحدنا كما فعل بواحدهم قيل الطيار في الجنة، وذو الجناحين، ولولا ما نهى الله عنه من تزكية المرء لنفسه لذكر ذاكر فضائل جمة تعرفها قلوب المؤمنين، ولا تمجها آذان السامعين، فدع عنك من مالت به الرمية فإنا صنائع ربنا والناس بعد صنائع لنا لم يمنعنا قديم عزنا، وعادي طولنا على قومك إن خلطناكم بأنفسنا فنكحنا وأنكحنا فعل الاكفاء، ولستم هنالك، وأنا يكون ذلك كذلك، ومنَّا النبي ومنكم المكذب ومنا أسد الله، ومنكم أسد الأحلاف، ومنا سيدا شباب أهل الجنة، ومنكم صبية النار، ومنَّا خير نساء العالمين، ومنكم حمالة الحطب في كثير مما لنا وعليكم، فإسلامنا ما قد سمع، وجاهليتنا لا تدفع، وكتاب الله يجمع لنا ما شذ عنَّا وهو قوله تعالى: {وَأُوْلُوا الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ}[الأنفال: 75].