فقال عبد الرحمن بن عوف ما من هذا شيئ لك فيه عذرٌ وأما قولك اتخذت أهلاً فزوجتك بالمدينة تخرج بها إذا شئت، وتقدم بها إذا شئت إنما تسكن بسكناك.
وأما قولك لي بالطائف مال فان مسيرة ثلاث ليال وأنت لست من أهل الطائف.
وأما قولك يرجع من حج من أهل اليمن، وغيرهم فيقولون هذا إمامكم يصلي ركعتين وهو مقيم فقد كان -صلى الله عليه وآله وسلم -ينزل عليه الوحي والناس يومئذٍ الإسلام فهيم قليل وأبو بكر مثل ذلك، ثم عمر فضرب الإسلام يجرانه فصلى بهم عمر حتى مات ركعتين.
فقال عثمان هذا رأئي رأيته، ولما كثرت الأحداث كان أول من كلمه فيما روي علي بن أبي طالب عليه السلام وأغلظ له في المسجد حتى حصب كل واحد منهما صاحبه، ثم إنهم اجتمعوا في منزل الزبير فقام عبد الرحمن بن عوف وذكر عثمان فشتمه، ثم أخذ نعله بيده، وقال: قد خلعته كما خلعت نعلي هذا، وقال الزبير مثل ذلك فيبلغ عثمان فصعد المنبر فشتمهم، وذكر عبد الرحمن بن عوف وقال: إن عدو الله قد نافق واتخذ عبيداً من النوبة والسودان، وأبناء فارس فإذا كلمه أحد ضربوه وكلمه عمار بن ياسر فضرب حتى غشي عليه، فلم يصل ولم يعقل يوماً وليلة، ولم يقلع عنه حتى ناداه أزواج النبي -صلى الله عليه وسلم لتخلين سبيله أو لنخرجن، وأنكر عليه بعض أفعاله أبي بن كعب وقال له: يا ابن الهاوية يا ابن الهاوية يا ابن النار الحامية قد فعلتها.
وجاء رجل إلى أبي في مسجد رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم -فقال ما تقول في عثمان فسكت فقال: جزاكم الله يا أصحاب محمد شراً شهدتم الوحي وغيباً تكموننا فقال: أبي عند ذلك هلك أصحاب العُقَد وربِّ الكعبة، أما والله إن أبقاني الله إلى يوم الجمعة قلت إذا استحييت فمات قبل الجمعة.
وبلغ عثمان أن ابن مسعود أظهر البراءة منه بالكوفة فأمر فأخرج إليه فلمَّا قدم المدينة يوم الجمعة قام عثمان على المنبر يذكر ابن مسعود ويشتمه وابن مسعود[23-ج] قائم في المسجد، فقام إليه فكلمه على رؤوس الناس، وذكره الله فأمر عبداً أسود فوطئه حتى كسر أضلاعه، ثم قال ابن مسعود: أمر بي الكافر عثمان غلامه ابن زمعة فكسر أضلاعي، وخرج أزواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم فضربن أبياتهن حوله يمرضنه، حتى مات وأوصى أن لا يصلي عليه عثمان، فدفن بغير علمه، وقتل الوليد بن عقبة رجلاً بالكوفة يقال له دينار، فأبى عثمان أن يقتله به.
وشرب الوليد الخمر بالكوفة فشهدوا عليه أنه يصلي بالناس سكران فلم يعزله، ولم يضربه حتى أخرجه أهل الكوفة، ولما رأى المسلمون تعطيل الحدود، والأحكام ساروا إليه من الآفاق يستتيبونه وأتوه إليه إلى لمدينة فأرسل إليهم أبو أيوب الأنصاري إني أتوب رد المظالم إلى أهلها وأقيم الحدود وانصف وأعزل عمالي، فلما سمعوا ذلك قبلوا ورضوا ورجعوا إلى أمصارهم فلما انصرف الناس طلب أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم -من عثمان الوفاء بما أعطاهم من نفسه فأبى وزعم أنه لا يطيق ضرب الوليد بن عقبة، وقال دونكم فاضربوه فضربه علي عليه السلام بيده.
وسألوه أن يقيد بدينار فأبى وزعم أنه إلى أولى به وأنه عفا عنه فقال الزبير: والله لتقيدن بدينار أو لنقتلن دنانير كثيرة.
فأبى وكتب إلى معاوية أن أهل المدينة قد كفروا وخالفوا الطاعة، فأرسل إلي أهل الشام على كل صعب، وذلول، وكتب إلى أهل الشام فنفروا إليه حتى إذا كانوا بوادي القرى بلغهم قتله.
ولما انصرف المسلمون المضربون لحقهم رسولٌ بكتاب من عثمان إلى عبد الله بن سعد بن أبي السرح، عامله على مصر وانظر فلاناً وفلاناً لرجال من خيار المسلمين من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من التابعين فإذا قدموا عليك فاقتل فلاناً، واصلب فلاناً، واقطع يد فلاناً، ومنهم من أمر بحلق لحيته فلقوا رسوله فأخذوه فسألوه أين يريد فقال: مصر قالوا هل معك كتاب فقال لا ففتشوه فإذا معه الكتاب فيه ضربهُم وقتلهم، فرجعوا إلى المدينة ونزلوا بذي خشب فلما رأى عثمان أنهم نزلوا به أرسل إلى علي عليه السلام يناشده الله لما كفهم عنه، ولم يزل يطلب إليه فإنه يتوب في ثلاثة أيام من كل ذنب، ويقيم كل حد فإن لم يفعل فدمه مباح، وكتب علي عليه السلام كتاباً بذلك، وأجله القوم ثلاثاً فلم يصْغ شيئاً، وسار عمرو بن حزم الأنصاري إلى ذي خشب فأخبرهم أنه لم يصنع شيئاً فقدموا فأرسلوا إليه، ألم تزعم لنا أنك تتوب، قال: بلى.