وبه أستعين، والحمد لله رب العالمين الحمد لله الذي دلنا على ذاته، بغرائب مصنوعاته، فنطق لسان الفكرة معرباً عن حالها، بعجز العباد كافة، عن أمثالها؛ بل علموا أن لو تعاونوا، وتظاهروا، وتعاضدوا، وتوازروا لما استطاعوا بأن يأتوا بأمثالها، ولا أن ينسجوا على منوالها{يَاأَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَاباً وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئاً لاَ يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ، مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ}[الحج:73-74] {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ}[الزمر:67].

فوا عجباً مِن عَجَزَة مستحقَرين أذلة، مستصغرين لا يقدرون على خلق جسم صغير، ولا يستطيعون إيجاد جوهر فرد حقير تحزبوا في جحدان الله أحزاباً، واتخذوا من دون الله أرباباً، فمن جاحد لربه، مفترٍ يسير مرحاً في حلبة عُجْبه، ومن جاعل للنور والظلمات فأعلن للخيرات والشرور رافض لعقله الذي جعل عليه دليلاً متنكب عن سواء الصراط فمن يهتدي إليه سبيلاً، ومن مشرك للشيطان مع الرحمن قائل.......... ويزدان إن لم يميز بين الحسن، والقبيح مماثل، بين السقيم والصحيح، ومن قائل بالأقانيم الثلاثة، مشرك مع الله تعالى، ما ابتدع إحداثه، ومن عابد للوثن، والصليب، والحجر، وعاكف للنار، والشمس والقمر، ومن قائل بالعقول، والعلل مبطل للأديان، والملل، ومن مثبت قدماً مع الله أربعين مرخٍ زمامه في كف إبليس اللعين،، ومن خاضع للجثة الطويلة العريضة العميقة دهره، توجه للعبادة، بزعمه إلى فاعل القبائح عمره هذا، وهو لا يدري بزعمه في أي القبضتين يصير، ولَعَمْرُ اللهِ لهو على جميع حالاته حسير إلى غير ذلك من جهالات العبيد، وتعذبهم على الحميد المجيد نسبوا إلى الله تعالى الصاحبة والأولاد مع ما أشركوا معه من الأنداد، {أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلِ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ}[الرعد:16].

هذا وقد حكمت عليهم عقولهم وان لم يسمعوها، وشهدت عليهم أفئدتهم وإن لم يفهموها بأن هذا العالم بأسره وما فيه من نفعه وضره، وما يطرأ من حركة وسكون على أحجامه ويساق من افتراق واجتماع إلى أجسامه مع ما شفع ذلك من اختلاف صوره وهيأته، ونموه وثباته، وأشجاره وأزهاره، وطعومه وثماره، وأمطاره ورعوده، وهبوطه وصعوده، ومائه وناره، وظلمته وأنواره، ونباته وحصاده، وبياضه وسواده، وحمرته وخضرته، وغبرته وصفرته، وحموضته وحلاوته، وحرافته ومرارته، ونومه ويقظته، وشهوته ونفرته، وحياته وموته، وذهابه وفوته؛ فإن ما اختلفت فيه أجسامه بعد اشتراكها في الجسمية من هذه الصور والهيئات، تدل على صانع حكيم، قادر، عليم لأن هذا الإختلاف بعد الإشتراك إن حصل بذوات العالمين، وجب كون ذواته على صورة واحدة أو كون كل ذات منه على تلك الصور المختلفة، هذا مع أن حدوثها يدل على حاجتها إلى محدِث سِواها وإن كان ذلك لموجب من سبب أو علة أو مادة أو عقل أو طبيعة أو غير ذلك من أنواع التـُرَّهات المسماة موجبة، وكان ذلك قديماً أو معدوماً أدى ذلك إلى قدم العالم، وهو محال وإن كان محدَثاً احتاج إلى محدِث، ثم الكلام فيه كالكلام فيها فيتسلسل ذلك إلى ما لا يتنهى أو ينتهي إلى فاعل لا يحتاج إلى فاعل، وجب القول به {ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَتَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ}[غافر:64]القائل وقوله الحق المبين{وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِنْ سُلاَلَةٍ مِنْ طِينٍ، ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ، ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَاماً فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْماً ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ}[المؤمنون:12-14] نحمده حمداً يطاول الأمد، ويستغرق العدد، ونصلي على صفيه البشير النذير محمد بن عبد الله السراج المنير وعلى أخيه وابن عمه، وباب مدينة علمه، وعلى سيدة النساء وخامسة أهل الكساء وعلى ابنيهم المطهرين سيدي شباب أهل الجنة رضيعي الكتاب والسنة، وعلى آلهم الطيبين الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً أما بعـــد:

 أيها الإخوان، والأولياء كثركم الله في طاعته، وجعل لكم الحظ الأوفر، من ولاية محمد وشفاعته فإني لما رأيت ميل أكثر الناس عن أهل البيت المطهرين صلوات الله عليهم أجمعين وما هم عليه من جحدان وراثة -أمير المؤمنين- نبيه وكونه وليه ووصيه وأولى الناس من بعده بالإمامة، وأحقهم بالزعامة دعاني ذلك إلى تأليف كتاب يشتمل على بيان هذا الباب فإياكم أن يعنتكم عن هذا المذهب الشريف، والدين الحنيف تحريف الضالين، وانتحال المبطلين؛ فإنما أنتم النمرقة الوسطى الذين حَمَلَهم آل محمد صلوات الله عليه وآله على المحجة البيضاء، أما علمتم أنكم أتباع الثقلين، وشيعة الأخوين جمعتم من الدين ما فرقه الناس، ولم يختم على قلوبكم الشك والإلتباس بل حفظتم رسول الله في عترته واستمسكتم بالوثقى من عروته، ولم تفصلوا بينه وبين أخيه ووصيه، ومنجز وعده، وقاضي دينه، ووليه، لم تجذبكم الأهواء المضلة عن الصواب، ولا خالطكم ما خالط الفرقَ من الشك والإرتياب فأنتم حماة الدين وأنصار الحق المبين { ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ}[الحديد:21]، فإياكم رحمكم الله أن تصغوا إلى القول بالإعتزال فتشركوا قريشاً في وراثة الآل فشتان والله بين القوم. وكم بين اليقضة والنوم أين الثريا من الثرى، وأين المنسم من القرى أين العجز من الإستطاعة، بل أين المعصية من الطاعة، كم بين السعود والنحوس، وشتان بين الظلم والشموس، أين الغرق من النجاة، وأين المضلون من الهداة، وأين البدعة من السنة، بل أين النار من الجنة، أترضون بدلاً عن آل محمد النبي بتيم وأميه وعدي في أي مذهب صحيح، وأي بيع ربيح إذاً تطَّرحونه بين آل محمد الطيبين ذلك هو الخسران المبين هيهات أن تجدوا بهم بديلاً، ولن تلقوا أهدى من سبيلهم سبيلاً وفي ذلك أقول:

لم ينجُ في الكهف سوى عصبة
ولا
نجى في قوم نوح سوى
ألم
يكن في المغرقين ابنه

 

فرت عن الدار وأربابها
سفينة
الله وأصحابها
إذ
غاب عن حوزهِ رُكَّابها

وهل نجى بالسلم إلا الأولى
أو
أدرك الغفران من لم يلج
أعيذكم
بالله أن تجمحوا

 

رقوا إلى السلم باسبابها
بالأمس
في الحطة من بابها
عن
عترة الحق وأحزابها

2 / 398
ع
En
A+
A-