ففتح أنس الباب، فدخل عمار، فسلم على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فرحب به ثم قال: يا عمار إنه سيكون من بعدي في أمتي هنات حتى يختلف السيف بينهم، وحتى يقتل بعضهم بعضا، وحتى يتبراء بعضهم من بعض فإذا رأيت ذلك فعليك بهذا الأصلع عن يميني يعني: علي بن أبي طالب.، فإذا سلك وادياً وسلك الناس وادياً، فاسلك وادي علي، وخل عن الناس يا عمار، ثم إن علياً لا يردك عن هداً، ولا يدلك على رداً، يا عمار: طاعة علي طاعتي وطاعتي طاعة الله عز وجل.

فإذا كان الحق أيها المسترشد معه والقرآن، وهو معهما، وكانت طاعته طاعة الله عز وجل، وقد علمنا أنه تخلف عن بيعة([70]) القوم، وكان سباقاً إلى الخيرات كانت إمامتهم غير صحيحة، ولا اعتداد بقول من يقول أنه أقام مدة، ثم بايع لأبي بكر لأن الذين رووا بيعته لأبي بكر وعمر قرنوا ذلك بالإكراه، والوعيد فلا اعتبار به إن صح، ولا بد من القول بما ذكرنا أو القول بكذب رسول الله -- صلى الله عليه وآله وسلم فيما أخبر به، ولن يكون ذلك مع صحة نبؤته، وصدقه في ادعائه لذلك.

هذا وقد علمنا أنه ليس في الأمة من قوله حجة كقول رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم –وفعله وتركه، كما يكون فعل النبي صلى الله عليه وآله وسلم سوى علي عليه السلام

؛وربما قيل أن الرسول لا يجوز أن يخطيء فيما طريقه الدين، ولا يسهوا ولا يرتكب الصغيرة والصغيرة تجوز على أمير المؤمنين، وهذا ليس بمعتمد فإن العترة مجمعة على أنه عليه السلام حجة في الدين كله وإجماعهم حجة على ما تقدم، وقد أكد ذلك قول الرسول –صلى الله عليه وآله وسلم –((علي مع الحق والحق معه)).

وقوله: ((إذا اختلفتم في شيئ فكونوا مع علي بن أبي طالب، وقوله: ((إنه هادي مهتدي)). إلى ما أشبه ذلك من الأحاديث الدالة على أنه عليه السلام: لا يخطئ وأنَّ قوله حجة، وآية التطهير قاضية بذلك، وإذا كان تعالى قد طهره من الرجس؛ فالرجس يقع على الكبيرة والصغيرة، فيجب أن يكون كله قد ذهب عنه وذلك يقتضي أن يكون قوله حجة.

ويدل عليه أيضاً: خبر المنزلة فإن من منازل هارون من موسى عليه السلام أن قوله حجة، ويدل عليه أنه قد ثبت عصمته فيجب أن يكون قوله حجة.

 فأما الإجتهاديات المتعلقة بالرأي لا في الدين فإنه يجوز خلاف الرسول صلى الله عليه وآله وسلم فيها، وخلاف علي عليه السلام جميعاً.

 دليل ذلك أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لما أراد النزول يوم بدر دون الماء في بطن الوادي قال له أصحابه: ((إن كان نزولك هذا عن وحي نزل فالسمع والطاعة، وإن كان عن رأي رايته فليس هذا منزل مكيدة، فقام وارتحل وترك اجتهاد نفسه)).

وقال أصحابنا: إن اجتهد النبي في الدين لم يسع مخالفته، كذلك إذا اجتهد أمير المؤمنين عليه السلام في الدين، لم يُسوغ خلافه، كان ذلك حجة، وإذا لم يقطع بأنه دين وسوغ الخلاف لمن خالفه فإنه يسمع خلافة، لأنه سوغه، وهو حجة فتحريم المخالفة وتحليلها فيما يفتي به في الدين موقوف عليه:

وهل علمت مثله خطيباً
أو بادياً في العلم أو مجيباً
وهو يقول عَلِمَ التنـزيلا

168 / 398
ع
En
A+
A-